مسند أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه1153
مسند احمد
حدثنا عبد الصمد، حدثنا حماد، عن ثابت، عن أنس، أن أم أيمن بكت لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقيل لها: ما يبكيك على النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقالت: " إني قد علمت أن النبي صلى الله عليه وسلم سيموت، ولكن إنما أبكي على الوحي الذي رفع عنا "
وفي هذا الحديثِ يَرْوي أنسُ بنُ مالكٍ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ أبا بَكرٍ الصِّدِّيقَ وعُمَرَ بنَ الخطَّابِ رَضيَ اللهُ عنهما ذَهبَا بعْدَ وَفاةِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إلى أُمِّ أيمنَ، وهي أُمُّ أسامةَ بنِ زيدٍ رَضيَ اللهُ عنها، يَزُورانها كما كان صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَزورُها، فَلمَّا وَصَلَا إليها ورَأَتْهما بَكَتْ، فَسألاها: ما يُبكيكِ؟ أمَا تَعلمِينَ أنَّ ما عِند اللهِ خيرٌ لِرسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؟ وذلك أنَّ الآخرةَ هي دارُ البقاءِ، وقدْ ظَنَّا أنَّ بُكاءها أسَفٌ على مَوتِ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وحُزنٌ على فِراقِه، فَأجابَتْ أَنَّها ما تَبكي أسفًا وحُزنًا على فِراقِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؛ فهي تَعلَمُ أنَّه فارَقَهم إلى ما هو خَيرٌ له، ولكنَّ سَببَ البُكاءِ هو أنَّ الوحيَ قَدِ انقطَعَ مِنَ السَّماءِ، تعني: أنَّ الوحْيَ لَمَّا انقَطَعَ بعْدَ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عَمِل النَّاسُ بآرائهِم، فاختَلَفَت مَذاهبُهم، فوَقَعَ التَّنازعُ والفِتنُ، وعَظُمَت المصائبُ والمِحَنُ، فلمَّا سَمِع أبو بَكرٍ وعُمرُ ذلكَ منها «هَيَّجَتْهُمَا»، أي: حَمَلَتْهما على البُكاءِ، فَجعلَا يَبكيانِ معها؛ لتَدارُكِهما خُطورةَ انقطاعِ الوحْيِ مِن السَّماءِ.
وفي الحديثِ: زِيارَةُ الصَّالحِ لِمَنْ هو دُونَه.
وفيه: زيارةُ الإنسانِ لِمَنْ كان صديقُه يَزورُه مِن بابِ حُسنِ العهدِ وحِفظِ الوُدِّ.
وفيه: البكاءُ حزنًا على فقْدِ العِلْمِ.
وفيه: البكاءَ لِانقطاعِ الوحيِ النَازلِ مِنَ السَّماءِ.
وفيه: أنَّ الإنسانَ قد يَهيجُ له البكاءُ بِبكاءِ أَخيهِ، ولا يكونُ ذلك نَاقصًا مِن إخلاصِه.
وفيه: استصحابُ الرَّجلِ لصاحبهِ في الزِّيارةِ، والعيادةِ، ونحْوِهما.