مسند أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه1220
مسند احمد
حدثنا روح، حدثنا سعيد، عن قتادة، حدثنا أنس بن مالك، أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: " يجاء بالكافر يوم القيامة فيقال له: أرأيت لو كان لك ملء الأرض ذهبا أكنت مفتديا به، فيقول: نعم يا رب، قال: فيقال: لقد سئلت أيسر من ذلك فذلك قوله عز وجل: {إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهبا ولو افتدى به} [آل عمران: 91] "
الدُّنيا دارُ ابتلاءٍ واختبارٍ، ويكونُ الإنسانُ في فُسْحةٍ مِن أمْرِه ويَختارُ ما يَشاءُ فِعلَه؛ ولذلك فقدْ آمَنَ باللهِ مَن آمَنَ، وكفَرَ به مَن كَفَرَ بعْدَ ظُهورِ الآياتِ والبيِّناتِ على صِدقِ المرسَلينَ.
وفي هذا الحَديثِ بَيانٌ لبعْضِ ما يدَّعِيه الكفَّارُ يومَ القيامةِ؛ فيُبيِّنُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّ اللهَ تعالَى يَقولُ لِأهْوَنِ أهْلِ النَّارِ -أي: أقلِّهم عَذابًا-: لو أنَّ لكَ ما في الأرْضِ مِن شَيءٍ وكُنتَ تَملُّكُها كلَّها، هلْ كُنْتَ تَفْتَدِي بهِ مِن هذا العذابِ الَّذي هو أقلُّ ما يكونُ في النَّارِ؟ فيَقولُ: نَعَمْ، وهذا مِصداقُ قولِ اللهِ تعالَى: {وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مَا في الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِه مِنْ سُوءِ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [الزمر: 47]، فعِندَما يُعاينُ الكُفَّارُ ما وعَدَهم ربُّهم ويَتيقَّنُونَ أنَّه الحقُّ، وأنَّهم خاِلدونَ في العذابِ؛ يَوَدُّ أحدُهم لو أنَّ له مُلْكَ الأرضِ كُلَّه؛ لِيَفتدِيَ به نفْسَه مِنَ العذابِ المقيمِ، ولكنْ كَلمةُ اللهِ قد نفَذَتْ ووَعَدُهُ قد مضَى، فلا فِكاكَ ولا خَلاصَ لهم مِنَ العذابِ، وقد سَأَلهمُ اللهُ تعالَى ما هو أيسَرُ مِن ذلك، وهو أنْ يُوحِّدُوه ولا يُشرِكوا به شَيئًا، وذلك وهُم في صُلبِ آدمَ عليه السَّلامُ؛ كما قال تعالَى: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا} [الأعراف: 172]، ولكنَّ الكافرَ أَبَى أنْ يَلتزِمَ بهذا الميثاقِ، فخُلِّدَ في جَهنَّمَ جَزاءً وِفاقًا.
وهذا كلُّه مِن التَّحذيرِ مِن الكُفْرِ والشِّركِ وكلِّ ما يُوصِلُ إلى النَّارِ؛ فإنَّها شَديدةٌ، وتَتفاوَتُ في الشِّدَّةِ بحَسبِ الأعمالِ، وقانَا اللهُ جَميعًا منها.