مسند أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه1238
مسند احمد
حدثنا حجين بن المثنى، حدثنا عبد العزيز يعني ابن أبي سلمة الماجشون، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، عن أنس قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يدخل بيت (2) أم سليم فينام على فراشها وليست فيه، قال: فجاء ذات يوم فنام على فراشها، فأتيت، فقيل لها: هذا النبي صلى الله عليه وسلم نائم في بيتك على فراشك قال: فجاءت وقد عرق، واستنقع عرقه على قطعة أديم على الفراش، قال: ففتحت عتيدتها (1) قال: فجعلت تنشف ذلك العرق فتعصره في قواريرها، ففزع النبي صلى الله عليه وسلم فقال: " ما تصنعين يا أم سليم؟ " قالت: يا رسول الله، نرجو بركته لصبياننا، قال: " أصبت " (2)
كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَعُودُ أصحابَه ويَتفقَّدُهم، وهو للجميعِ بمَكانةِ الأبِ والرَّاعي، وكان أهلُ البيوتِ يَفرَحون بقُدومِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عليهم؛ لِما في ذلكَ مِن التَّكريمِ لهم والإنعامِ عليهم بما يُفِيضُه اللهُ على المكانِ مِن البَرَكةِ والنُّورِ والخيرِ المصاحِبِ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.
\وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ أنسُ بنُ مالكٍ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كانَ يَدخُلُ بَيتَ أُمِّ سُلَيمٍ -وهي أُمُّ أنسٍ رَضيَ اللهُ عنهما- فَينامُ على فِراشِها، وهو مَكانُ نَومِها، ولم تكُنْ حينئذٍ في بَيتِها؛ وذلك لأنَّها -فيما ذُكِر- كانتْ ذاتَ مَحْرمٍ منه مِن الرَّضاعةِ؛ فقدْ كانت أُمُّ سُلَيمٍ وأختُها أُمُّ حَرامٍ بنتُ مِلحانَ وأخُوهما حَرامٌ؛ أخوالَ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِن الرَّضاعِ. فَجاءَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ذاتَ يَومٍ، فدخَلَ بيْتَها فَنامَ على فِراشِها، فجاءها مَن أخبَرَها أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في بيْتِها يَنامُ على فُرشِها كما هي عادتُه، فأخبَرَ أنسٌ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ أُمَّ سُليمٍ رَضيَ اللهُ عنها جاءَت وَقد عَرِقَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في نَومِه، وَاستَنقَعَ عَرقُه، أي: اجتَمَعَ على قِطعَةِ أَديمٍ، وهي الجِلدُ المدْبوغُ، وكان مَبسوطًا على الفِراشِ، ففَتحَتْ أُمُّ سُلَيمٍ رَضيَ اللهُ عنها عَتيدَتَها، وهيَ الصُّندوقُ الصَّغيرُ تَجعلُ المَرأةُ فيهِ ما يَعِزُّ مِن مَتاعِها، فَجعلَت تُنشِّفُ ذَلكَ الْعَرقَ المجتمَعِ بخِرقةٍ مِن قُماشٍ، فَتَعصِرُه في قَواريرِها، جَمعُ قارورةٍ، وهي الزُّجاجةُ، سُمِّيَت بذلكَ؛ لاستقرارِ الشَّرابِ فيها، فهي تَعصِرُ تلكَ الخِرقةِ الَّتي بها عَرِقَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في إناء عِطرِها وطِيبِها، فهَبَّ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وَاستيقَظَ مِن نَومِه، ولعلَّ ذلك كان لحَركةِ أُمِّ سُلَيمٍ رَضيَ اللهُ عنها حوْلَه وهو نائمٌ، فسَألَها النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «ما تَصنَعينَ يا أُمَّ سُلَيمٍ؟!» فَقالتْ: يا رَسولَ اللهِ، نَرجو بَركَتَه، أي: بركةَ هذا العَرقِ الشَّريفِ، فيُبرِّكون به صِبيانَهم، وفي رِوايةٍ في صَحيحِ مُسلمٍ أنَّها قالت: «وهُو مِن أَطْيَبِ الطِّيبِ»، ولا يُعارِضُ هذا أنَّها كانت تَجمَعُه للتَّطيُّبِ؛ لأنَّها كانت تَفعَلُه للأمرينِ جَميعًا، فقالَ لها صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «أَصبْتِ» أي: وافَقْتِ الصَّوابَ، أو عَمِلتِ العملَ الصَّوابَ، وفي هذا تَقريرٌ صَريحٌ لها على فِعلِها، وهو دَليلٌ على التَّبرُّكِ بآثارِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ما لم يُؤدِّي ذلك إلى الشِّركِ باللهِ سُبحانه.
وفي الحَديثِ: التَّبرُّكُ بِعَرقِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.
وَفيهِ: النَّومُ عِندَ ذَواتِ المَحارِمِ وفي بُيوتِ مَعارفِه؛ لِما في ذلكَ مِن ثُبوتِ المودَّةِ، وتأكيدِ المحبَّةِ.
وفيه: بَيانُ ما كان عليه الصَّحابةُ رَضيَ اللهُ عنهم مِن شِدَّةِ مَحبَّتِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، والتَّبرُّكِ بآثارِه