مسند أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه1352
مسند احمد
حدثنا عبد الوهاب، حدثنا سعيد، عن قتادة، عن أنس بن مالك، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لم يبعث نبي قبلي إلا يحذر قومه من الدجال الكذاب فاحذروه، فإنه أعور، وإن (1) ربكم ليس بأعور "
كانَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُوصِي أصحابَه رضِيَ الله عَنهم ويُحذِّرُهم مِن فِتنةِ الدجَّالِ ويبيِّنُه لهم، وفي هذا الحديثِ: خَطَبَنا رسولُ اللهِ، فكان أكثرَ خُطبتِه يُحدِّثُنا عن الدَّجَّالِ"، أي: أَطالَ في ذِكرِه والحَديثِ عنه أثناءَ خُطبتِه، والدَّجَّالُ هو مَسيحُ الضَّلالِ الذي يَظهرُ في آخِرِ الزَّمانِ ويدَّعي الرُّبوبيَّةَ، "ويُحذِّرناهُ"، أي: يُخوِّفُنا مِن فِتنتِه، وذَكَر أنَّ الدَّجَّالَ يَبدأُ خُطبتَه "فيقولُ: أنا نبيٌّ ولا نَبيَّ بَعْدِي" أي: يَدَّعي الدَّجَّالُ ويَشهَدُ لنَفْسِه بالنُّبوَّةِ والنبي صلى الله عليه وسلم آخِرُ الأنبياءِ، "ثم يُثنِّي" أي: ثُمَّ يَدَّعي ادِّعاءً ثانيًا بعدَ ادِّعاءِ النُّبوَّةِ، "فيقولُ: أنا رَبُّكُم" وهذه دعواه الكُبرَى التي يَفتِنُ بها الناسَ، ثم قال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مُبيِّنًا حَقيقةَ الأمْرِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "ولنْ تَرَوْا ربَّكم حتَّى تَموتُوا" فأوْضَحَ أنَّ رُؤيةَ المؤمنين لربِّهم الإلهِ الحَقِّ لنْ تكونَ إلَّا بَعدَ الموتِ؛ وهذا ممَّا يُوضِّحُ كَذِبَ الدَّجَّالِ في دَعواه الرُّبويبَّةَ، ثم زادَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في بيانِ صِفةِ الدَّجَّالِ فقال: "وإنَّه أعورُ"، أي: فاقدٌ إحْدى عَينَيهِ، وصِفةُ هذا العُوارِ أنها مَمسوحةٌ ليسَ فيها بُروزٌ ولا غائرةٌ في داخلِ الجَفنِ، "وإنَّ ربَّكم" الإلهَ الحَقَّ "ليس بأعورَ"، فالدَّجَّالُ مَسيحُ الضَّلالِ أعورُ، وهي صِفةُ نَقصٍ، ومع ذلك يَدَّعِي الأُلوهيَّةَ، والإلهُ الحقُّ تَنتفِي عَنه صِفاتُ النَّقصِ، وفي صَحيحِ البُخاريِّ، قال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "ألَا إنَّ المسيحَ الدجَّالَ أعورُ العينِ اليُمنى، كأنَّ عَينَه عِنبةٌ طافيةٌ"، وفي صَحيحِ مُسلِمٍ: "الدَّجَّالُ مَمسوحُ العينِ"؛ فمجموعُ تِلك الأحاديثِ تُخبرُ بآياتٍ ظاهرةٍ يَشتركُ فيها الناسُ، تُبيِّن لهم كذبَه فيما يدَّعيه من الرُّبوبيَّة، وقد دَلَّ هذا الحَديثُ على أنَّ للهِ تعالى عَينَينِ اثنتينِ تليقان بذاتِه وجلالِه وكمالِه.
وفي الحديث: بيانُ حِرصِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ على النُّصحِ لأُمَّتِه.
وفيه: عَلَمٌ مِن أعلامِ النُّبوَّةِ حيثُ أخبَر النبيُّ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ عن أخبارِ آخِرِ الزَّمانِ وما فيها، وسيَقَعُ ما أخبَرِ به لا مَحالةَ.