مسند أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه1359
مسند احمد
حدثنا عبد الوهاب، حدثنا سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن أنس بن مالك، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إن العبد إذا وضع في قبره، وتولى عنه أصحابه، إنه ليسمع خفق نعالهم، فيأتيه ملكان، فيقولان له: ما كنت تقول في هذا الرجل؟ - يعني محمدا صلى الله عليه وسلم - قال: أما المؤمن، فيقول: أشهد أنه عبد الله ورسوله، فيقال له: انظر إلى مقعدك في النار، قد أبدلك الله به مقعدا في الجنة، فيراهما جميعا "
القبْرُ هو أوَّلُ منازِلِ الآخِرةِ، والعذابُ والنَّعيمُ فيه حقٌّ، وهو إمَّا رَوضةٌ مِن رِياضِ الجنَّةِ، أو حُفرةٌ مِن حُفَرِ النَّارِ، أعاذَنا اللهُ منها.
وفي هذا الحديثِ يُخبُر صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بما يَتعرَّضُ له الإنسانُ عندَ موتِه ووضْعِه في قَبرِه؛ مِن أنَّه يَسمعُ قَرْعَ نِعالِ مَن أتى لِدفنِه، فيَسمَعُ صَوتَ أرجُلِهم وهم مُنصرِفون، فإذا انصَرفوا جاءَه مَلَكانِ فيُقْعِدانِه فيَسألانِه: ما كنتَ تقولُ في هذا الرَّجُلِ محمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؟ فإذا كان مؤمنًا يقولُ: أَشهدُ أنَّه عبدُ اللهِ ورسولُه، فيُقالُ له: انظُرْ إلى مَقعدِكَ مِنَ النَّارِ، الَّذي كان مُعَدًّا لك في جهنَّمَ لو لم تكُنْ مؤمنًا، أبدَلَك اللهُ به مَقعدًا في الجنَّةِ، فَيَرى كِلا المَقعدَينِ. فإنْ كان المَيتُ كافرًا أو مُنافقًا فإنَّه لا يتمكَّنُ مِن الإجابةِ عن سُؤالِ الملَكَينِ، فيَقولُ: لا أدري! كنتُ أقولُ ما يقولُ النَّاسُ! فيُقالُ له: لا دَرَيْتَ ولا تَلَيْتَ، وهو دُعاءٌ عليه، ومعناه: لا كنتَ دَاريًا ولا تاليًا؛ فلا تُوفَّقُ في هذا الموقِفِ، ولا تَنتفعُ بما كنتَ تسمعُ أو تقرأُ، ثُمَّ يُضرَبُ بِمِطْرَقةٍ مِن حَديدٍ ضرْبةً بيْنَ أُذُنَيْه، فَيصيحُ صَيْحةً يَسمعُه مَن يكونُ قريبًا منه مِن الخلائقِ إلَّا الثَّقَلَينِ، وهُما الإنسُ والجنُّ؛ فإنَّ السَّمعَ مَحجوبٌ عنهما؛ وذلك رحمةً بهم، وإبقاءً على حياتِهم؛ لأنَّهم لو سَمِعوها لصَعِقوا، وسُمُّوا الثَّقلَينِ لثقلِهم على الأرضِ، فاللَّهمَّ قِنَا فِتنةَ القبرِ وعذابَه بِمَنِّك وفضْلِك يا أرحمَ الرَّاحِمِينَ.
وفي الحديثِ: إثباتُ سؤالِ الملَكينِ للمَيتِ في القبرِ.
وفيه: إثباتُ عذابِ القبرِ.