‌‌مسند أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه1471

مسند احمد

‌‌مسند أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه1471

حدثنا عفان، حدثنا حماد، أخبرنا ثابت، عن أنس بن مالك، قال: كنت رديف أبي طلحة يوم خيبر، وقدمي تمس قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتيناهم حين بزغت الشمس، وقد أخرجوا مواشيهم وخرجوا بفؤوسهم، ومكاتلهم ومرورهم، فقالوا: محمد والخميس، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الله أكبر، خربت خيبر، إنا إذا نزلنا بساحة قوم {فساء صباح المنذرين} [الصافات: 177] "، قال: فهزمهم الله، قال: ووقعت في سهم دحية جارية جميلة فاشتراها رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبعة أرؤس، ثم دفعها إلى أم سليم تصنعها (1) وتهيئها، وهي صفية ابنة حيي، قال: فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وليمتها التمر والأقط والسمن، قال: فحصت الأرض أفاحيص، وجيء بالأنطاع فوضعت فيها، ثم جيء بالأقط والتمر والسمن، فشبع الناس، قال وقال الناس: ما ندري أتزوجها أم اتخذها أم ولد؟ فقالوا: إن يحجبها فهي امرأته، وإن لم يحجبها فهي أم ولد، فلما أراد أن يركب حجبها حتى قعدت على عجز البعير، فعرفوا أنه قد تزوجها، فلما دنوا من المدينة دفع ودفعنا، قال: فعثرت الناقة العضباء، قال: فندر رسول الله صلى الله عليه وسلم وندرت، قال: فقام فسترها، قال: وقد أشرفت النساء، فقلن: أبعد الله اليهودية، فقلت: يا أبا حمزة، أوقع رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: إي والله لقد وقع "وشهدت وليمة زينب بنت جحش فأشبع الناس خبزا ولحما، وكان يبعثني فأدعو الناس، فلما فرغ قام وتبعته، وتخلف رجلان استأنس بهما الحديث لم يخرجا، فجعل يمر بنسائه يسلم على كل واحدة: " سلام عليكم يا أهل البيت كيف أصبحتم؟ فيقولون: بخير يا رسول الله، كيف وجدت أهلك؟ فيقول: " بخير "، فلما رجع ورجعت معه فلما بل الباب إذا هو بالرجلين قد استأنس بهما الحديث، فلما رأياه قد رجع قاما فخرجا، قال: فوالله ما أدري أنا أخبرته، أو نزل عليه الوحي بأنهما قد خرجا فرجع، ورجعت معه، فلما وضع رجله في أسكفة الباب أرخى الحجاب بيني وبينه، وأنزل الله هذه الآيات: (1) {لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين إناه} [الأحزاب: 53] حتى فرغ منها (2)

النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ هو القُدوةُ والمُعلِّمُ للأمَّةِ، وهَدْيُه مصدرٌ لنا، نَستمِدُّ منه بيانَ الهُدَى والرَّشادِ في أمورِ السِّلمِ والحربِ، وقدْ فتَح رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ خَيبرَ في سَنةِ سَبْعٍ مِن الهجرةِ، وكانت قريةً يَسكُنُها اليهودُ على بُعدِ «173 كم تَقريبًا» مِن المدينةِ مِن جهةِ الشَّامِ، وفي هذا الحديثِ يَحكي أنسُ بنُ مالكٍ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ غزَا خَيْبرَ، وأنَّهم صَلَّوْا بقُرْبِ خَيْبرَ صلاةَ الصُّبحِ في أوَّلِ وقتِها والظَّلامُ قائمٌ، ثمَّ ركِب النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وركِب أبو طَلْحةَ رَضيَ اللهُ عنه دابَّتَه، وكان أنسٌ يَركَبُ خلْفَ أبي طَلْحةَ الأنصاريِّ زَوجِ أُمِّه وهي أمُّ سُلَيمٍ رَضيَ اللهُ عنها، فأَجْرى نبيُّ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ دابَّتَه الَّتي يَركَبُها للإسراعِ والجَرْيِ في زُقاقِ خَيبرَ، و«الزُّقاقُ»: الطَّريقُ الضَّيِّقُ الَّذي يَكونُ بيْن البُيوتِ، فانْكَشَف الإزارَ عن فخِذِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؛ وذلك بسببِ سرعةِ الجَرْيِ في طُرقِ خَيبرَ، و«الإزارُ»: الثَّوبُ الذي يُغطِّي الجزءَ الأسفلَ مِن الجسَدِ. حتَّى رأى أنسٌ رَضيَ اللهُ عنه بَياضِ فَخِذِ نبيِّ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ. «فلمَّا دخَل النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ خَيْبرَ، قال: اللهُ أكبَرُ، خرِبَتْ خَيْبرُ، وفتَحَها اللهُ لنا، «إنَّا إذا نزَلْنا بساحةِ قَومٍ»، والسَّاحةُ: هي المكانُ الواسعُ عندَ الدُّورِ، «فَسَاءَ»، أي: قَبُح صَباحُ المُنذَرينَ، قالها النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ثلاثًا؛ استِبشارًا منه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بما فُتِح مِن خَيبرَ.وقد كان الحالُ في خَيْبرَ عندَ دُخولِها أنَّ أهلَ خَيبرَ كانوا خارجينَ إلى أعمالِهم، حيث كانوا أهلَ زَرعٍ وحَرْثٍ، فقالوا: مُحمَّدٌ والخَميسُ، يعني: الجيشَ، وسُمِّيَ بذلك؛ لأنَّه يَشتملُ على مقدَّمةٍ، وسَاقةٍ، أي: مؤخَّرةٍ، وقلبٍ، ومَيْمنةٍ، ومَيْسَرةٍ، فهذه خمسةُ أجزاءٍ.ثمَّ أخبَر أنسٌ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ المُسلمينَ أخَذوا خَيبرَ قَهْرًا وغلَبةً، وليس صُلْحًا، فلمَّا «جُمِع السَّبيُ»، أي: الأسرى مِن الرِّجالِ والنِّساءِ والأطفالِ؛ جاء دِحْيةُ الكلْبيُّ، فطلَب جاريةً، قائلًا: يا نبيَّ اللهِ، أَعْطِني جاريةً مِن السَّبْيِ، فقال له النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: اذهَبْ فخُذْ جاريةً، فأخَذ صَفيَّةَ بنتَ حُيَيٍّ، فأخبَر رجُلٌ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّها لا تَصلُحُ إلَّا للنبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؛ لأنَّها سيِّدةُ قُرَيْظةَ والنَّضيرِ، فأمَرَهم النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أن يَستَدْعوا دِحْيةَ والجاريةَ الَّتي أَخَذها مِن السَّبْيِ، فجاء بها، فلمَّا نَظَر إليها النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قال لدِحْيةَ: خُذْ جاريةً مِن السَّبيِ غَيْرَها، ثمَّ أعتَقَها النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وتزَوَّجها، والعِتقُ هو التَّحريرُ مِن عبوديَّةِ الرِّقِّ، وكان هذا العِتقُ هو مَهْرَها، حتَّى إنَّ ثابتًا البُنَانيَّ -مِن التَّابعينَ- سَأل أنسًا رَضيَ اللهُ عنه عن صَداقِها الَّذي تزَوَّجها به النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، قائلًا: يا أبا حمزةَ، ما أَصْدَقَها؟ قال: نَفْسَها؛ أَعْتَقَها وتزَوَّجَها، حتَّى إذا كان النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بطريقِ الرَّجعةِ إلى المدينةِ، جهَّزَتْها له أمُّ سُلَيمٍ، فهيَّئتْها وزيَّنتْها، فأهدَتْها له مِن اللَّيلِ، فزفَّتْها أمُّ سُلَيمٍ للنبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عندَما دخَلَ اللَّيلُ، فأصبَح النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عَرُوسًا، بزَواجِه مِن صَفيَّةَ، فقال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في أصحابِه: مَن كان عندَه شَيءٌ مِن طعامٍ فلْيَجِئْ به، ثمَّ فَرَش على الأرضِ بِساطًا مِن الجِلدِ يُوضَعُ عليه الطَّعامُ يُشبِهُ السُّفرةَ، فجمَع ما عندَ النَّاسِ مِن التَّمرِ والسَّمنِ، والسَّويقِ، وهو الدَّقيقُ النَّاعمُ، فصنَعوا الحَيْسَ، وهو خليطُ التَّمرِ والسَّمْنِ والدَّقيقِ، فكانتْ وَليمةَ رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وَطعامَ عُرْسِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.

قيل: إنَّ الوجْهَ الَّذي أخَذ به النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ صَفيَّةَ مِن دِحْيةَ بعْدَ أن أعْطاها له، أنَّ دِحْيةَ أرجَعَها للنبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ برِضاهُ، وقيل في بعضِ الرِّواياتِ: أنَّها وقعَتْ في سَهمِ دِحْيةَ، وأنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ اشتراها منه، وقيل فيها غيرُ ذلك مِن الأوجُهِ المحتمِلةِ الَّتي تَليقُ بذاتِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وعِصمتِه.

وفي الحديثِ: مَشروعيَّةُ الوَليمةِ في العُرسِ بما تيسَّرَ.