مسند أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه1572
حدثنا عفان، حدثنا حماد بن سلمة، أخبرنا قتادة، عن أنس: " أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يمر بالتمرة، فما يمنعه من أخذها إلا مخافة أن تكون من صدقة "
لم يُحِلَّ اللهُ سُبحانَه وتعالَى لِنبيِّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ولا لِأهلِ بَيتِه أنْ يَأخُذوا مِنَ الصَّدقاتِ شيئًا ولو قليلًا أو حَقيرًا.
وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ أنسُ بنُ مالكٍ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ النَّبِيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مَرَّ في الطَّريقِ ذاتَ مرَّةٍ، فرَأى تَمرةً ساقطةً ولا يَعلَمُ مَصدَرَها ولا ممَّن سَقَطَت، فأخْبَرَ أنَّه لَولا يَخافُ أنْ تَكونَ هذه التَّمرةُ السَّاقطةُ مِن تَمْرِ الصَّدقةِ لَأكَلَها، فتَرَكَها صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؛ تَنزُّهًا لأجْلِ هذه الشُّبْهةِ. وفي رِوايةٍ: قال النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «أجِدُ تَمْرةً ساقِطةً علَى فِراشِي» في بَيتي، فلا آكُلُها مَخافةَ أنْ تكونَ مِن تمْرِ الصَّدقةِ؛ لأنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كان يُوزِّعُ تمْرَ الصَّدقاتِ، فربَّما تَعلَّقَت بثَوبِه تَمرةٌ، فتَسقُطُ على فِراشِه، أو ربَّما كان يَجمَعُ في بَيتِه بَعضَ تَمْرِ الصَّدقاتِ ليُوزِّعَها، فيَخافُ أنْ تكونَ تللك التَّمْرةُ منه، فيَتورَّعُ عن أكْلِها، إلَّا إذا تَبيَّنَ له أنَّها ليست مِن الصَّدَقاتِ وإنَّما مِن تَمْرِ أهْلِه فيَأكُلُها.
وفي الحديثِ: بَيانٌ لمعنًى مِن مَعاني الوَرَعِ وترْكِ الشُّبهاتِ.
وفيه: مَشروعيَّةُ أكْلِ ما يُوجَدُ مِن المُحقَّراتِ مُلقًى في الطُّرقاتِ؛ لأنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ذَكَرَ أنَّه لم يَمتنِعْ مِن أكْلِها إلَّا تَورُّعًا؛ لخَشيةِ أنْ تكونَ مِن الصَّدقةِ.
وفيه: بَيانُ أنَّ أموالَ المسلمينَ لا يَحرُمُ منها إلَّا ما له قِيمةٌ، ويُتشاحُّ في مِثلِه.