‌‌مسند أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه260

مسند احمد

‌‌مسند أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه260

حدثنا يزيد، أخبرنا محمد بن عمرو قال: أخبرني واقد بن عمرو بن سعد بن معاذ، قال محمد: وكان واقد من أحسن الناس، وأعظمهم، وأطولهم قال: دخلت على أنس بن مالك فقال لي: من أنت؟ قلت: أنا واقد بن عمرو بن سعد بن معاذ قال: إنك بسعد أشبه، ثم بكى وأكثر البكاء، فقال: رحمة الله على سعد كان من أعظم الناس، وأطولهم، ثم قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم جيشا إلى أكيدر دومة، فأرسل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بجبة من (1) ديباج منسوج فيها الذهب، فلبسها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقام على المنبر - أو جلس -، فلم يتكلم، ثم نزل فجعل الناس يلمسون الجبة وينظرون إليها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أتعجبون منها؟ " قالوا: ما رأينا ثوبا قط أحسن منه. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " لمناديل سعد بن معاذ في الجنة، أحسن مما ترون " (2)

كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيْه وسلَّم أزهَدَ الناسِ في الدُّنيا، وكان يُربِّي أصحابَه على ذلك، ويَربِطُهم دَومًا بالآخرةِ وما أعدَّهُ اللهُ لهمْ فيها مِن نَعيمٍ مُقيمٍ.
وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ أَنَسُ بنُ مالكٍ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ أُكَيْدِرَ دُومَةَ -وأُكَيْدِرُ: حاكمُ دُومَةِ الجَنْدَلِ، مِن نَصارى العرَبِ، ودُومةِ الجَنْدَلِ: مَدينةٌ بالقُرْبِ مِن تَبُوكَ، شَمالَي الممْلكةِ العَربيَّةِ السُّعوديَّةِ، أسَرَهُ خالدُ بنُ الوليدِ لمَّا أرْسَلَه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إليه في سَرِيَّةٍ وهو في تَبوكَ سَنةَ تِسعٍ مِن الهِجرةِ، وقَتَلَ أخاهُ، وقَدِمَ به إلى المدينةِ، فَصالَحَه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ على الجِزيةِ وأطْلَقَه- قد أَهْدَى للنَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم جُبَّةً مِن سُنْدُسٍ، وهو نَوعٌ مِن الحريرِ رَقيقٌ، فأَعْجَبَ النَّاسَ حُسْنُها، وكان صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَنْهَى عن لُبْسِ الحَرِيرِ، فلمَّا رَأَى النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم إعجابَهم بها، قال لهم: «والَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بيَدِه»، يَحْلِفُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ باللهِ عزَّ وجلَّ؛ وذلِك لأنَّ اللهَ هو الذي يَمْلِكُ الأنْفُسَ، وكثيرًا ما كان يُقْسِمُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بهذا القَسَمِ، «لَمَنَادِيلُ سَعْدِ بنِ مُعَاذٍ في الجنَّةِ أحْسَنُ مِن هذا»، وهذا إشارةٌ منه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إلى أَدْنَى ثِيَابِ سَعدٍ في الجنَّةِ؛ لأنَّ المَنادِيلَ -التي تُمسَحُ بها الأَيْدِي وغيرُها مِن الدَّنَسِ والوَسَخِ- هي أقلُّ ما يَملِكُه الشَّخصُ، فكأنَّ أقلَّ ما يكونُ لسَعْدِ بنِ مُعاذٍ رَضيَ اللهُ عنه في الجنَّةِ أفضلُ مِن هذا الحَرِيرِ؛ فإنَّ في الجنَّةِ ما لا عَينٌ رَأَت، ولا أُذُنٌ سَمِعَت، ولا خَطَرَ على قَلْبِ بَشَرٍ؛ {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ} [السجدة: 17].
وفي الحديثِ: بَيانُ فَضلِ سَعْدِ بنِ مُعاذٍ رَضيَ اللهُ عنه، وأنَّه مِن أهلِ الجَنَّةِ.
وفيه: قَبولُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ الهديَّةَ مِن المشرِكين..