‌‌مسند أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه309

مسند احمد

‌‌مسند أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه309

- حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث، حدثنا زائدة، حدثنا المختار بن فلفل عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " والذي نفس محمد بيده لو رأيتم ما رأيت لضحكتم قليلا، ولبكيتم كثيرا "، قالوا: ما رأيت؟ قال: " رأيت الجنة والنار "، وحضهم على الصلاة، ونهاهم أن يسبقوه، إذا كان إمامهم في الركوع والسجود، وأن ينصرفوا قبل انصرافه من الصلاة "، وقال لهم: " إني أراكم من أمامي، ومن خلفي "، وسألت أنسا عن صلاة المريض فقال: " يركع، ويسجد قاعدا في المكتوبة " (1)

كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ رَؤوفًا رَحيمًا بأُمَّتِه، فكان كَثيرًا ما يَنصَحُ الناسَ بما فيه الخَيرُ والصَّلاحُ والتَّقوى، ويُصحِّحُ لهم ما يَقَعُ مِنَ الأخطاءِ؛ لِيَعلَمَ الجَميعُ مَواقِعَ أفعالِهم وأقوالِهم.

 وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ أنَسُ بنُ مالِكٍ رَضيَ اللهُ عنه، أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قال: "والذي نَفْسي بيَدِه، لو رأيتُم ما رأيتُ" يُقسِمُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ باللهِ، ويَقولُ: لو كُنتُم تَعلَمونَ ما أعلَمُ مِن عِظَمِ الأمْرِ وهَوْلِه وشِدَّتِه، "لَضَحِكتُم قَليلًا، ولَبَكيتُم كَثيرًا" لَقَلَّ ضَحِكُكم، ولَزادَ بُكاؤُكم مِن هَولِ ما تَعلَمونَ، ويَحتَمِلُ أنْ يُرادَ بالقِلَّةِ العَدَمُ، وهو استِعمالٌ شائِعٌ، أوِ المُرادُ التَّعليلُ حَقيقةً؛ فإنَّهم إذا عَلِموا ما عِندَ اللهِ مِن سَعةِ الرَّحمةِ والعَفوِ ضَحِكوا، وإذا عَلِموا ما عِندَه مِن شِدَّةِ العَذابِ والبَطشِ وعَلِموا تَقصيرَهم فيما يأتونَه، لَكانَ البُكاءُ أكثَرَ، كما قال: (ولَبَكيتُم كَثيرًا) لِغَلَبةِ سُلطانِ الوَجَلِ على القُلوبِ، فلَمَّا سَمِعوا ذلك "قالوا: وما رأيتَ يا رَسولَ اللهِ؟ قال: رأيتُ الجَنَّةَ والنارَ" والمَعنى: لو رأيتُم ما رأيتُه في الجَنَّةِ والنَّارِ مِنَ النَّعيمِ لِلمُطيعينَ في الجَنَّةِ، ومِنَ العَذابِ لِلعاصينَ في النَّارِ، لَأصابَكمُ الهَمُّ والغَمُّ حيث تَرجُونَ وتَخافونَ؛ تَرجُونَ الجَنَّةَ وما فيها، وتَخافونَ النَّارَ وما فيها، ولا أحَدَ يَستَطيعُ أنْ يَعرِفَ مَصيرَه، وبذلك تَترُكونَ الضَّحِكَ في الدُّنيا إلَّا قَليلًا، وتُلازِمونَ البُكاءَ كَثيرًا، "وحَضَّهم على الصَّلاةِ" بالحِفاظِ عليها وأدائِها في أوَّلِ وَقتِها، "ونَهاهم أنْ يَسبِقوه بالرُّكوعِ والسُّجودِ" فلا يَكونُ رُكوعُهم قَبلَ رُكوعِ الإمامِ، ولا يَكونُ سُجودُهم قَبلَ سُجودِ الإمامِ، وهكذا في باقي أحوالِ الصَّلاةِ، "ونَهاهم أنْ يَنصَرِفوا قَبلَ انصِرافِه مِنَ الصَّلاةِ" والمُرادُ بالانصِرافِ في الصَّلاةِ: التَّسليمُ.

ثم قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "إنِّي أراكم مِن خَلفي ومِن أمامي"، أي: انتَبِهوا لِأحوالِ صَلاتِكم؛ فإنِّي أراكم مِن خَلفِ ظَهري بمِثلِ ما أراكم بوَجهي، فيَكونُ الحياءُ منه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قائمًا في كُلِّ الأحوالِ، ورُؤيةُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لِمَن خَلفَه هي رُؤيةٌ حَقيقيَّةٌ، جَعَلَها اللهُ عزَّ وجلَّ فيه كمُعجِزةٍ له، مِثلَما كان له مِن مُعجزاتٍ خارِقةٍ لِلعادةِ.

وفي الحَديثِ: الحَثُّ على الخُشوعِ في الصَّلاةِ، والمُحافَظةِ على إتمامِ أركانِها. 

وفيه: أنَّه يَنبَغي لِلإمامِ أنْ يُنبِّهَ النَّاسَ على ما يَتعلَّقُ بأحوالِ الصَّلاةِ، ولا سيَّما إنْ رأى منهم ما يُخالِفُ الأَوْلى. 

وفيه: تَغليظٌ شَديدٌ على المأمومِ في مُسابَقةِ إمامِه.

 وفيه: بَيانُ مُعجِزةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ برُؤيَتِه مِن خَلفِه كما يَرى مِن أمامِه.