مسند أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه396
حدثنا أبو كامل، حدثنا حماد، مرة، عن ثابت، عن أنس، ومرة، عن حميد، عن أنس بن مالك قال: " ما كان أحد من الناس أحب إليهم شخصا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، كانوا إذا رأوه لا يقوم له أحد منهم، لما يعلمون من كراهيته لذلك "
كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم مِثالًا حيًّا للتَّواضُعِ، والبُعدِ عن الكِبْرِ، وأخلاقِ المتكبِّرين.
وفي هذا الحديثِ يقولُ أنسٌ رَضِي اللهُ عَنه: "لم يَكُنْ شخصٌ أحبَّ إليهم مِن رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم"، أي: الصَّحابةِ، فلم يَكونوا يُحِبُّون أحَدًا حُبًّا يُوازي أو يُساوي حُبَّهم لِرَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، "وكانوا إذا رأَوه"، أي: مُقبِلًا إليهم "لم يَقُوموا لِمَا يَعلَمون مِن كراهيَتِه لذلك"، أي: لم يَقوموا له وُقوفًا؛ لكَراهِيَتِه ونَهيِه عن فِعْلِ ذلك؛ تواضُعًا لربِّه، وابتِعادًا عن عادةِ المتكبِّرين، وقيل: كان مِن عادةِ العَربِ تَرْكُ التَّكلُّفِ في القيامِ والجلوسِ، والأكلِ والشُّربِ، فاختار ذلك النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم؛ لِمُوافَقتِه للشَّريعةِ؛ وهذا الفعلُ مِن النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم مِن بابِ التَّواضُعِ، وما ورَد عنه أنَّه قد أمَر النَّاسَ بالقيامِ إلى سَعدِ بنِ مُعاذٍ، حيثُ قال صلَّى الله عليه وسلَّم: "قُوموا إلى سيِّدكم"؛ فهذا الأمرُ موجَّهٌ إلى جماعةٍ من الأنصارِ لا كلِّهم وهم الأوسُ منهم؛ لأنَّ سعدَ بنَ مُعاذٍ كان سيِّدَهم دونَ الخزرجِ، وفي رِوايةِ أحمدَ قال: "قوموا إلى سيِّدِكم؛ فأَنزِلوه"؛ فعلى هذا يكونُ القيامُ لأجْلِ المساعدةِ، وكان سَعدٌ رضي الله عنه قد أُصيبَ في غَزوةِ الأحزابِ في أَكْحَلِه؛ فأمَرَهم بالقيامِ إليه ليُعينوه على النُّزولِ مِن الحِمارِ ويَرفُقوا به؛ حتَّى لا يُصيبَه ألَمٌ، فلا يَضطرَّ إلى حَركةٍ يَنفجِرُ منه العِرقُ.
وقيل: هذا القِيامُ إلى سعدٍ مِن بابِ إكرامِ الكَبيرِ مِن المسلِمين، وإكرامِ أهلِ الفضلِ فالمرادُ بِه التعظيمُ والإكبارُ لمنزلةِ سَعدٍ، وهذا التعظيمُ والإكبارُ غيرُ الذي نَهَى عنه النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم وكَرِهَه؛ لأنَّ سعدًا كان غائبًا فقدِمَ، والقيامُ للغائبِ إذا قدِمَ مشروعٌ.
ويَحتمِل أنْ يكونَ القيامُ المذكورُ إنَّما هو لتهنئتِه بما حصَل له مِن تلكَ المنزلةِ الرَّفيعةِ مِن تَحكيمِه والرِّضا بما يَحكُم به، والقيامُ لأجلِ التهنئةِ مشروعٌ أيضًا.
وفي الحديثِ: تتبُّعُ الصَّحابةِ رَضِي اللهُ عَنهم لِما يُحِبُّ النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم ويَكرَهُ، وحِرصُهم على مَرْضاتِه.
وفيه: بيانُ تَواضُعِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، وبُعدِه عن أفعالِ المتكبِّرين.