مسند أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه442
مسند احمد
حدثنا أبو النضر، حدثنا أبو جعفر، عن الربيع بن أنس، وحميد عن أنس قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النهبة (1) ، " ومن انتهب فليس منا " (2)
كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُبايِعُ مَن أسلَمَ، فيَأخُذُ مِنه العَهدَ على السَّمعِ والطَّاعةِ وعلى النُّصرةِ، وكان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُبايِعُ النِّساءَ، كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ} [الممتحنة: 12]. وفي هذا الحَديثِ يُخبرُ أنَسُ بنُ مالِكٍ رَضِيَ اللهُ عنه، عنِ الشُّروطِ التي أخَذَها رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في مُبايَعَتِه للنِّساءِ، فيَقولُ: إنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حينَ بايَعَ النِّساءَ أخَذَ عليهنَّ، أي: شَرَط عليهنَّ في البَيعةِ، أن لا يَنُحْنَ.
والنِّياحةُ: هيَ رَفعُ الصَّوتِ عِندَ المُصيبةِ، وكانتِ النِّياحةُ مِن أعمالِ الجاهليَّةِ إذا ماتَ شَخصٌ مِنهمُ اجتَمَعَتِ النِّساءُ فبَكَينَ ورَفعنَ أصواتَهنَّ بالصِّياحِ؛ فلذلك كان رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَشتَرِطُ على أيِّ امرَأةٍ عَدَمَ النِّياحةِ. فقالتِ النِّساءُ: يا رَسولَ اللهِ، إنَّ نِساءً أسعَدنَنا في الجاهليَّةِ، أي: وافَقنَنا وعاونَّنا على البُكاءِ على أمواتِنا، والإسعادُ: هو إسعادُ النِّساءِ في المَناحاتِ، تَقومُ المَرأةُ فتَقومُ مَعَها أُخرى مِن جاراتِها فتُساعِدُها على النِّياحةِ. وقيل: كان نِساءُ الجاهليَّةِ يُسعِدُ بَعضُهنَّ بَعضًا على ذلك سَنةً، فنُهِينَ عن ذلك. أفنُسعِدُهنَّ في الإسلامِ؟ أي: فهَلَّا يا رَسولَ اللهِ نَرُدُّ لهنَّ ذلك فنُسعِدَهنَّ في الإسلامِ أداءً لحَقِّ المُقابَلةِ. فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: لا إسعادَ في الإسلامِ، أي: أنَّ الإسلامَ ليسَ فيه نياحةٌ، ولا شِغارَ في الإسلامِ. والشِّغارُ: نِكاحٌ مَعروفٌ في الجاهليَّةِ، كان يَقولُ الرَّجُلُ للرَّجُلِ: شاغِرْني: أي زَوِّجْني أُختَك أو بِنتَك أو مَن تَلي أمرَها، حتَّى أُزَوِّجَك أُختي أو بنتي أو مَن ألي أمرَها، ولا يَكونُ بَينَهما مَهرٌ، ويَكونُ بُضعُ كُلِّ واحِدةٍ مِنهما في مُقابَلةِ بُضعِ الأُخرى. وقيل له شِغارٌ؛ لارتِفاعِ المَهرِ بَينَهما، مِن: شَغَرَ الكَلبُ: إذا رَفعَ إحدى رِجلَيه ليَبولَ. ولا جَنَبَ، وهو في الزَّكاةِ أن يَنزِلَ العامِلُ بأقصى مَواضِعِ أصحابِ الصَّدَقةِ، ثُمَّ يَأمُرَ بالأموالِ أن تُجنَبَ إليه، أي: تُحضَرَ، فنُهُوا عن ذلك. وقيل: أن يَجنُبَ رَبُّ المالِ بمالِه، أي: يُبعِدَه عن مَوضِعِه حتَّى يَحتاجَ العامِلُ إلى الإبعادِ في اتِّباعِه وطَلَبِه. ولا جَلَبَ.
وهو يَكونُ في شَيئَينِ: أحَدُهما: في الزَّكاةِ، وهو أن يَقدَمَ المُصَدِّقُ على أهلِ الزَّكاةِ، فيَنزِلَ مَوضِعًا، ثُمَّ يُرسِلَ مَن يَجلِبُ إليه الأموالَ مِن أماكِنِها ليَأخُذَ صَدَقَتَها، فنُهيَ عن ذلك، وأُمِر أن تُؤخَذَ صَدَقاتُهم على مياهِهم وأماكِنِهم. والثَّاني: في السِّباقِ، وهو أن يَتبَعَ الرَّجُلُ فرَسَه فيَزجُرَه ويَجلِبَ عليه ويَصيحَ؛ حَثًّا له على الجَريِ، فنُهيَ عن ذلك. ولا عَقرَ في الإسلامِ. أصلُ العَقرِ: ضَربُ قَوائِمِ البَعيرِ أوِ الشَّاةِ بالسَّيفِ وهو قائِمٌ، وكانوا في الجاهليَّةِ يَعقِرونَ الإبِلَ على قُبورِ المَوتى، أي: يَنحَرونَها ويَقولونَ: إنَّ صاحِبَ القَبرِ كان يَعقِرُ للأضيافِ أيَّامَ حَياتِه، فنُكافِئُه بمِثلِ صَنيعِه بَعدَ وفاتِه، فتَأكُلُها السِّباعُ والطَّيرُ، فيَكونُ مُطعِمًا بَعدَ مَماتِه كَما كان مُطعِمًا في حَياتِه، فنُهُوا عن ذلك في الإسلامِ، ومَنِ انتَهَبَ، أي: سَلبَ، واختَلَسَ، وأخَذَ قَهرًا ما لا يَجوزُ له، فليسَ مِنَّا، أي: ليسَ مِنَ المُطيعينَ لأمرِنا، أو ليسَ مِن جَماعَتِنا، وعلى طَريقَتِنا وسُنَّتِنا؛ لأنَّ أخذَ مالِ المَعصومِ بغَيرِ إذنِه ولا رِضاه حَرامٌ، بَل يَكفُرُ مُستَحِلُّه.
وفي الحَديثِ مَشروعيَّةُ مُبايَعةِ النِّساءِ.
وفيه النَّهيُ عنِ النِّياحةِ.
وفيه النَّهيُ عنِ الشِّغارِ.
وفيه النَّهيُ عن الجَنَبِ.
وفيه النَّهيُ عنِ الجَلَبِ.
وفيه النَّهيُ عنِ العَقرِ.
وفيه النَّهيُ عنِ النَّهبِ.