مسند أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه477
مسند احمد
حدثنا يونس، وسريج، قالا: حدثنا فليح، عن هلال بن علي قال: قال أنس بن مالك: لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم سبابا، ولا فحاشا، ولا لعانا، وكان يقول لأحدنا عند المعتبة: " ما له ترب (1) جبينه "
كان النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أحسَنَ الناسِ خُلُقًا، وقدِ اتَّصَفَ بأخلاقِ القُرآنِ، وكان هذا تأديبًا مِن اللهِ لنَبيِّه، وقد نقَلَ لنا الصَّحابةُ هَدْيَه وسَمْتَه وأخْلاقَه.
وفي هذا الحَديثِ يقولُ أَنَسُ بنُ مالكٍ رضِيَ اللهُ عنه: "لم يكُنْ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ سبَّابًا"، والسَّبُّ: نِسبةُ الشَّخصِ وتَقْبيحُه إلى ما فيه عارٌ، "ولا لعَّانًا"، واللَّعنُ هو الدُّعاءُ بالطَّردِ مِن رَحمةِ اللهِ، ولم يكُنْ ذلك مِن خُلُقِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؛ لأنَّه بُعِثَ رَحمةً للعالَمينَ، "ولا فحَّاشًا"، والفُحْشُ: القُبْحُ، وكلُّ سُوءٍ جاوَزَ حدَّه فهو فُحْشٌ، أي: لم يكُنْ مُتكلِّمًا بالقَبيحِ أصلًا، ولم يكُنْ في طَبعِه. وما وقَعَ مِن سَبِّه ولَعنِه ودُعائِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ على بعضِ الناسِ إنَّما كان لسبَبٍ مِن انتهاكِ حُرُماتِ اللهِ ونَحوِه، وليس بمَقصودٍ، وقد سألَ ربَّه سُبحانَه ورَغِبَ إليه في أنْ يَجعلَ ذلك رَحمةً، وكفَّارةً، وقُرْبةً، وطَهورًا، وأَجرًا للمُؤمِنينَ إذا وقَعَ منه ذلك اضطِرارًا. ثمَّ وضَّحَ أنَسٌ صِفةً أُخرى مِن صِفاتِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فقال: "كان يقولُ لأحَدِنا عندَ المُعاتَبةِ" إذا أخطأَ أحَدٌ مِن أصحابِه رضِيَ اللهُ عنهم، وأرادَ مُعاتَبَتَه، يقولُ: "ما لَهُ، تَرِبَ جَبينُه؟!"، أي: الْتَصقَ وَجهُه وصَدرُه بالتُّرابِ، وليس المُرادُ منها الدُّعاءَ عليه، بل هي كَلمةٌ جَرَتْ على ألْسِنةِ العَرَبِ.
وقيلَ: هي أيضًا ذاتُ وَجهَينِ؛ إذ يَحتَمِلُ أنْ يكونَ دَعَا على المَقولِ له، بمَعنى: رَغِمَ أنفُكَ، وأنْ يكونَ دَعا له، بمَعنى: سجَدَ وَجهُكَ فيَتترَّبُ جَبينُه، وهذا مِن حُسنِ خُلُقِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فهو أكمَلُ النَّاسِ أخلاقًا. وقيلَ: الجَبينانِ هُما اللَّذانِ يَكتَنِفانِ الجَبهةَ ومُقدَّمَ الرأسِ مِن الناحيَتَينِ، فمَعناه: صُرِع لجَبينِه، فيكونُ سُقوطُ رأسِه على الأرضِ مِن ناحيةِ الجَبينِ.
وفي الحَديثِ: بَيانُ بعضِ صِفَاتِ الرَّسولِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وأخلاقِه الحَميدةِ.