‌‌مسند أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه495

مسند احمد

‌‌مسند أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه495

حدثنا حسن، حدثنا حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس، أن رجلا قال: يا رسول الله: إن لفلان نخلة، وأنا أقيم حائطي بها، فأمره أن يعطيني حتى أقيم حائطي بها، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: " أعطها إياه بنخلة في الجنة " فأبى، فأتاه أبو الدحداح فقال: بعني نخلتك بحائطي. ففعل، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إني قد ابتعت النخلة بحائطي. قال: " فاجعلها له، فقد أعطيتكها. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كم من عذق رداح لأبي الدحداح في الجنة " قالها مرارا. قال: فأتى امرأته فقال: يا أم الدحداح اخرجي من الحائط، فإني قد بعته بنخلة في الجنة. فقالت: ربح البيع. أو كلمة تشبهها (1)

حَثَّ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ على المُسارَعةِ في الخيراتِ والمسابَقةِ فيه؛ وبيَّن ما في ذلِك مِن الأجْرِ والفضْلِ العظيمِ عندَ اللهِ عزَّ وجلَّ.
وفي هذا الحَديثِ يَحكِي أنسُ بنُ مالكٍ رضِيَ اللهُ عنه: "أنَّ رجلًا قال: يا رسولَ اللهِ، إنَّ لفُلانٍ نَخلةً"، أي: يَمتَلِكُها، "وأنا أُقِيمُ حائطي بها"، المُرادُ بالحائطِ: الجدارُ، ومعنى إقامةِ الحائطِ بالنَّخلةِ: اعتمادُه عليها واستنادُه، "فأْمُرْه أنْ يُعطِيَني حتَّى أُقِيمَ حائطي بها"، أي: يَطلُبُ مِن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنْ يحُثَّ صاحبَ النَّخلةِ أنْ يَتصدَّقَ بها عليه، قِيل: الظَّاهرُ أنَّ صاحبَ الجدارِ كان فقيرًا لا يَستطيعُ أنْ يَشترِيَها، فقال له النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لصاحبِ النَّخلةِ، "أعْطِها إيَّاهُ بنَخلةٍ في الجنَّةِ"، أي: أمَرَه بالتَّصدُّقِ بها على أنْ يُعوِّضَه اللهُ بأجْرِها في الجنَّةِ، وهذا مِن الحثِّ على الصَّدقةِ، "فأبَى"، أي: امتنَعَ صاحبُ النَّخلةِ عن التَّصدُّقِ بها، "فأتاهُ أبو الدَّحداحِ"، ويُقال: أبو الدَّحداحةِ، وهو ثابتُ بنُ الدَّحداحِ حليفُ الأنصارِ، والمُرادُ: أنَّه ذهَبَ لصاحبِ النَّخلةِ، "فقال: بِعْني نَخلتَك بحائطي"، أي: اشْتَراها ودفَعَ في ثمَنِها حديقتَه كاملةً؛ لأجْلِ أنْ يَتصدَّقَ بها على الرَّجلِ الَّذي طلَبَها، "ففَعَلَ"، أي: باعَهَا الرَّجلُ لأبي الدَّحداحِ، فأتى أبو الدَّحداحِ، "النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فقال: يا رسولَ اللهِ، إنِّي قد ابتعْتُ النَّخلةَ بحائِطي، قال: فاجْعَلْها له"، أي: أعْطِها للرَّجلِ الَّذي طلَبَها، "فقدْ أعْطَيْتُكَها" فأجاب النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "كمْ مِن عَذْقٍ رَداحٍ"، أي: غُصنٍ ثقيلٍ، ومُمْتلئٍ بالثِّمارِ، "لأبي الدَّحداحِ في الجنَّةِ -قالها مِرارًا-"، أي: تأكيدًا عليها، وللحثِّ على مِثلِ هذه الأعمالِ. قال أنسٌ رضِيَ اللهُ عنه: "فأتى امرأتَه"، أي: رجَعَ أبو الدَّحداحِ لزوجتِه وهي في البُستانِ، "فقال: يا أُمَّ الدَّحداحِ، اخْرُجي مِن الحائطِ؛ فقد بِعْتُه بنَخلةٍ في الجنَّةِ، فقالت: رَبِحَ البيعُ -أو كلمةً تُشْبِهُها-" فأجابَتْه في فِعلَتِه وتصرُّفِه، وأثنَتْ عليه، وهكذا يَنبغي أنْ يكونَ دَأبُ الزَّوجةِ الصالحةِ التي تُعينُ زَوجَها على العَملِ الصالِحِ.
وفي الحديثِ: الحثُّ على حُسنِ الجوارِ، والتَّنازُلِ للجارِ، والتَّصدُّقِ عليه.
وفيه: بيانُ عِظَمِ أجْرِ الصَّدقةِ عندَ اللهِ.
وفيه: بيانُ مَنزلةِ أبي الدَّحداحِ وثَوابِ ما عَمِلَ، وفَضلِ زَوجتِه.