مسند أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه574
مسند احمد
حدثنا هاشم بن القاسم، حدثنا جسر، (1) عن ثابت، عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " وددت أني لقيت إخواني "، قال: فقال أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: أوليس نحن إخوانك؟ قال: " أنتم أصحابي، ولكن إخواني الذين آمنوا بي ولم يروني " (2)
بُعِثَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ لِيُخْرِجَ الناسَ من الظُّلَماتِ إلى النُّورِ في زَمَنٍ كان فيه الكُفْرُ والتَّضْليلُ قد بَلَغَ أَشُدَّهُ، فكان رَحْمةً مُهْداةً للعالَمينَ، وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ أنسُ بنُ مالِكٍ رضِيَ اللهُ عنه عَنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قوله: "وَدِدْتُ أَنِّي لَقِيتُ إِخْوانِي"، أي: تَمَنَّيْتُ لِقاءَهُمْ، أي في الحَياةِ الدُّنْيا، وقيل: المُرادُ تَمَنِّي لِقائِهِم بعدَ المَوْتِ، فقال أصْحابُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "أَوَلَيْسَ نَحْنُ إِخْوانُكَ" فنحنُ آمنَّا بِكَ واتَّبَعْناكَ، وناصَرْناكَ، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "بَلْ أَنْتُمْ أَصْحابِي" فسمَّاهُمْ باسْمٍ هو أَفْضَلُ مِنَ الأُخُوَّةِ؛ فهذا ليس نَفْيًا لِأُخُوَّتِهِم، ولكِنْ ذَكَرَ مَزِيَّتَهُم الزائِدَةَ بالصُّحْبَةِ، فهؤلاءِ إِخْوَةٌ وصَحابَةٌ والذين يَأْتون مِمَّنْ آمَنوا به، ولم يَرَوْهُ إِخْوَةً فحَسْبُ وليسوا بصَحابَةٍ. ثم قال: "ولكِنَّ إِخْواني الذين آمَنوا بي ولم يَرَوْني" فقد قال تَعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات: 10] فأولئك يُؤمِنون بالرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ويُحِبونَهُ، ويَنْصُرونَهُ، ويُصَدِّقونَهُ، وإنْ لم يَرَوْهُ؛ لأنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم جَديرٌ بحُسْنِ الاتِّباعِ والاقْتِداءِ بهَدْيِهِ.
وفي الحديثِ: أنَّ أهْلَ الدِّينِ والإيمانِ كُلَّهُم أُخوةٌ في دِينِهِم.
وفيه: الفرقُ بين الإيمان بالمُشاهَدةِ والإيمانِ بالخَبرِ؛ فإنَّ المُشاهَدَةَ عينُ يَقينٍ، والإخبارَ عِلمُ يَقينٍ، وبينهما فرقٌ .