‌‌مسند أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه580

مسند احمد

‌‌مسند أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه580

حدثنا يحيى (1) بن غيلان، حدثنا رشدين، قال: حدثني عمرو بن الحارث، عن بكير، عن الضحاك القرشي، عن أنس بن مالك قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر صلى سبحة الضحى ثمان ركعات، فلما انصرف، قال: " إني صليت صلاة رغبة ورهبة. سألت ربي عز وجل ثلاثا، فأعطاني اثنتين، ومنعني واحدة سألته: أن لا يبتلي أمتي بالسنين، ولا يظهر عليهم عدوهم، ففعل، وسألته أن لا يلبسهم شيعا، فأبى علي " (2

كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم يَجتهِدُ في العِبادةِ، ويَسأَلُ اللهَ عزَّ وجلَّ بما فيه الصَّالِحُ للدِّينِ والأمَّةِ، وفي هذا الحديثِ يقولُ خبَّابُ بنُ الأرَتِّ رَضِي اللهُ عَنه: "صلَّى رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم صلاةً فأطالها"، أي: أطال فيها، إشارةً إلى أنَّ هذا على خلافِ العادةِ منه صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، قال الصَّحابةُ رَضِي اللهُ عَنهم: "يا رسولَ اللهِ، صلَّيتَ صلاةً لم تَكُنْ تُصلِّيها"، أي: على غيرِ العادةِ في طُولِها.
وفي روايةٍ: أنَّها كانَت صلاةَ اللَّيلِ، وأنَّ الَّذي سأَله هو خَبَّابٌ، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "أجَلْ، إنَّها صلاةُ رغبةٍ ورهبةٍ"، أي: إنَّ سبَبَ إطالَتِه صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم للصَّلاةِ أنَّه قصَد فيها رغبةً فيما عِندَ اللهِ مِن إجابتِه الدُّعاءَ، وخَشِي ألَّا يَستجيبَ اللهُ له، "إنِّي سألتُ اللهَ فيها ثلاثًا، فأعطاني اثنتَين ومنَعَني واحدةً"، أي: دعَوتُ اللهَ عزَّ وجلَّ بثلاثِ دعَواتٍ استَجاب لاثنَينِ مِنها وردَّ ومنَع الثَّالثةَ، "سألتُه: ألَّا يُهلِكَ أمَّتي بسَنةٍ"، أي: بقَحْطٍ ومَجاعةٍ تَستأصِلُهم وتُضعِفُهم، "فأَعْطانيها"، أي: أجاب اللهُ عزَّ وجلَّ له تِلك الدَّعوةَ، "وسأَلتُه ألَّا يُسلِّطَ عليهم عدوًّا مِن غيرِهم"، أي: ولا يَكونَ هَلاكُهم بعَدوٍّ مِن الكفَّارِ يَستبيحُهم، فيَستأصِلُهم ويُضعِفُهم، "فأعطانيها"، أي: فأجابَه اللهُ عزَّ وجلَّ الثَّانيةَ، "وسَألتُه ألَّا يُذيقَ بعضَهم بأسَ بعضٍ"، أي: ألَّا يقَعَ بينَهم فُرقةٌ وقِتالٌ تُهلِكُهم وتُضعِفُهم، "فمَنَعَنيها"، أي: لم يُجِبِ اللهُ عزَّ وجلَّ له تلك الدَّعوةَ، وفي هذا ورَد قولُه تعالى: {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ} [الأنعام: 65].
وفي الحديثِ: بيانُ ما كان عِندَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم مِن شفَقةٍ على أمَّتِه، ورأفةٍ بهم.
وفيه: علامةٌ مِن عَلاماتِ نُبوَّتِه صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم.