مسند أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه671
حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر (1) ، عن قتادة، عن أنس، سأل أهل مكة النبي صلى الله عليه وسلم آية، " فانشق القمر بمكة مرتين "، فقال: {اقتربت الساعة وانشق القمر، وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر} [القمر: 2]
بَعَثَ اللَّهُ نَبيَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لدَعوةِ النَّاسِ للتَّوحيدِ وإخراجِ النَّاسِ مِن عِبادةِ الأصنامِ والأوثانِ إلى تَوحيدِ اللهِ تعالى وحدَه، وأيَّدَه اللهُ تعالى بالمُعجِزاتِ الدَّالَّةِ على صِدقِه وصِدقِ ما جاءَ به؛ ولهذا لمَّا دَعا النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قَومَه مِن كُفَّارِ قُرَيشٍ كَذَّبوه وآذَوه، وسَبُّوه وقالوا عنه: ساحِرٌ وشاعِرٌ وكاهِنٌ، وكانوا يَقتَرِحونَ عليه أن يُريَهم بَعضَ المُعجِزاتِ حَتَّى يُؤمِنوا، وفي مَرَّةٍ مِنَ المَرَّاتِ وكانوا في اللَّيلِ، طَلَبوا مِنه أن يَشُقَّ لَهمُ القَمَرَ، فاستَجابَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لطَلَبِهم، ودَعا اللهَ أن يَشُقَّ القَمَرَ، فانشَقَّ القَمَرُ قِطعَتَينِ، فلمَّا رَأى ذلك كُفَّارُ قُرَيشٍ لَم يُؤمِنوا ولَم يُصَدِّقوا، بَل قالوا: إنَّ مُحَمَّدًا سَحَر القَمَرَ! يَقولُ عَبدُ اللهِ بنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما: كَسَف القَمَرُ على عَهدِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم. ولَعَلَّه يَقصِدُ بكُسوفِه انشِقاقَه كما هو في كَثيرٍ مِنَ الرِّواياتِ، وهو الذي حَصَلَ في مَكَّةَ مَعَ كُفَّارِ قُرَيشٍ، وفيهم نَزَلَتِ الآيةُ. أمَّا الكُسوفُ، وهو احتِجابُ ضَوءِ القَمَرِ، فهذا لَم يَقَعْ، وإنَّما الذي وقَعَ هو كُسوفُ الشَّمسِ في المَدينةِ. فقالوا: سُحِر القَمَرُ! أي: أنَّ كُفَّارَ قُرَيشٍ قالوا: إنَّ مُحَمَّدًا سَحَرَ القَمَرَ حَتَّى جَعَلَه قِطعَتَينِ؛ فنَزَلَ قَولُه تعالى: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ * وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ} [القمر: 1، 2].
وفي الحَديثِ إثباتُ انشِقاقِ القَمَرِ في عَهدِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم.
وفيه شِدَّةُ تَكذيبِ كُفَّارِ قُرَيشٍ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مَعَ قُوَّةِ الآياتِ والدَّلائِلِ التي جاءَهم بها.
وفيه بَيانُ سَبَبِ نُزولِ الآيةِ.