‌‌مسند أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه763

مسند احمد

‌‌مسند أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه763

حدثنا مؤمل، حدثنا حماد، حدثنا ثابت، عن أنس، " أن أبا طيبة حجم النبي صلى الله عليه وسلم، فأمر له بصاع من تمر، وكلم أهله، فوضعوا عنه من خراجه "

لقدْ أمَرَ الشَّرعُ المطهَّرُ بفِعلِ ما في الاستِطاعةِ، والاجْتِنابِ التَّامِّ للنواهي الشرعيَّةِ، وأمَرَ بالوقوفِ عندَ تَوْجيهاتِ اللهِ ورَسولِه، وعدَمِ تَخَطِّيها، وعدم الإكثار من السُّؤالِ والاختِلافِ، كما في هذا الحَديثِ الذي يقولُ فيه رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "إنَّما هلَكَ مَن كان قبلَكم بكَثرةِ سُؤالِهم واختِلافِهم على أنْبيائِهم"؛ فقدْ وقعَتِ الأممُ السابقةُ في الهلاكِ بسَببِ كَثرةِ الأسئلةِ فيما لا يُفيدُ؛ ممَّا تتَرتَّبَ عليه فَرضُ أمورٍ شاقَّةٍ وصَعبةٍ عليهم، ولم يَستَطيعوا أداءَها فهَلَكوا بالعِصيانِ، وهذا كما قال تعالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} [المائدة: 101]، وهذا تَوْجيهٌ وتَربيةٌ نَبويَّةٌ للمُسلِمينَ على طاعةِ اللهِ ورسولِه قَدْرَ الاستِطاعةِ، والانتهاءِ عمَّا نَهى اللهُ عنه، معَ عدَمِ التَّنطُّعِ في الدِّينِ وكَثرةِ التَّشدُّقِ معَ تَشقيقِ الكلامِ فيما لا يُفيدُ، والنَّهيِ عن كَثرةِ السُّؤالِ عمَّا لم يقَعْ، وقد ورَدَ في الصَّحيحَيْنِ أنَّ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيه وسَلَّم قال: "إنَّ أعظَمَ المُسلِمينَ في المُسلِمينَ جُرْمًا، مَن سألَ عَن شَيءٍ لم يُحرَّمْ على المُسلِمينَ، فحُرِّمَ عليهم مِن أجْلِ مَسْأَلتِه"! وكذلك مَن سأَلَ عن أمرٍ فنزَلَ التَّشديدُ فيه مِن أجْلِ مَسألتِه، وليس في هذا مَنعٌ للسُّؤالِ عمَّا يُحتاجُ إليه مِن أُمورِ الدِّينِ، وإنَّما هو تَوْجيهٌ للتَّوقُّفِ عندَ أوامرِ اللهِ ونَواهيه، وعدَمِ تَكلُّفِ الأسئلةِ فيما لا يُحتاجُ إليه.
ثم قال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "لا تَسْأَلوني عن شيءٍ إلَّا أخبَرْتُكم به"، ولعلَّه قال ذلك لأنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ طلَبَ منَ الناسِ ألَّا يُكثِروا منَ الأسئلةِ فيما لا طائلَ تَحتَه، فأرادَ أنْ يَختَبِرَهم، وقيلَ: إنَّما قال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ذلك لأنَّه بلَغَه أنَّ قَومًا منَ المُنافِقينَ يَنالونَ منه، ويُعَجِّزونَه عن بعضِ ما يَسأَلونَه عنه، فتَغيَّظَ عليهم، "فقال عبدُ اللهِ بنُ حُذافةَ: مَن أبي يا رسولَ اللهِ؟" وكان يظُنُّ أنَّه ليس بأبيه، ويُعيَّرُ بذلك، وقيلَ: كان سَببُ السؤالِ طَعْنَ بعضِ الناسِ في نَسَبِ بَعضِهم على عادةِ الجاهليةِ، "قال: أبوكَ حُذافةُ بنُ قَيسٍ"، فنسَبَه إلى أبيه الذي يُعرَفُ به بينَ الناسِ، "فرجَعَ إلى أُمِّه، فقالت: وَيْحَكَ"! وهي كلمةٌ لتَقْبيحِ ما فعَلَه، "ما حمَلَكَ على الذي صنَعْتَ؟ فقد كُنَّا أهلَ جاهليةٍ، وأهلَ أعمالٍ قَبيحةٍ"، والمرادُ من كلامِها أنَّه كان يقَعُ بينَ الناسِ أُمورُ الفَواحشِ، فإنْ أخبرَكَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بأمرٍ قبيحٍ عن نسَبِكَ؛ فإنَّ المَعرَّةَ كانتْ ستُلازِمُكَ أكثَرَ! "فقال لها: إنْ كُنْتُ لأُحِبُّ أنْ أعلَمَ مَن أبي؛ مَن كان منَ الناسِ"؛ لأتأكَّدَ مِن نَسَبِي ومِن أبي، ويَذهبَ عني الذي يُعيِّرني به الناسُ.
وفي رِوايةِ الصَّحيحِ: "فلمَّا رَأى عُمَرُ بنُ الخطَّابِ ما في وَجهِ رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ منَ الغَضَبِ، قال: يا رسولَ اللهِ، إنَّا نَتوبُ إلى اللهِ عزَّ وجلَّ"! وهذا مِن خوفِه مِن غَضَبِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وحِرصِه على استِرضائِه.