مسند أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه953
مسند احمد
حدثنا بهز، حدثنا همام، عن قتادة، وحدثنا عفان، قال: حدثنا يزيد بن إبراهيم، حدثنا قتادة عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اعتدلوا في السجود ولا يبسط أحدكم ذراعيه كالكلب، ولا يبزق بين يديه، ولا عن يمينه، فإنما (1) يناجي ربه، ولكن عن يساره أو تحت (2) قدمه " (3)
الصَّلاةُ عِبادةٌ توقيفيَّةٌ، وقد علَّمَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيْه وسلَّم الأمَّةَ كيفيَّاتِها وهيئاتِها؛ مِن الوُقوفِ والرُّكوعِ والسُّجودِ والرَّفعِ وغيرِ ذلك.
وفي هذا الحديثِ يَقولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيْه وسلَّم: "اعتَدِلوا في سُجودِكم" اسجُدوا بهَيئةٍ مُناسِبةٍ بالتَّوسُّطِ بينَ الانقِباضِ وتَداخُلِ أعضاءِ الجسَدِ في بَعضِها وبينَ البَسْطِ والافتِراشِ، "ولا يَفتَرِشْ أحَدُكم ذِراعَيهِ افتِراشَ الكَلبِ"، وفي حديثٍ آخرَ: "افتِراشَ السَّبُعِ"، والافتِراشُ بأنْ يَمُدَّ المرءُ يدَيهِ وذِراعَيه ويَجعَلَهُما على الأرضِ كأنَّهُما يَدَا الكلبِ أو الأسَدِ الرَّابضِ على الأرضِ، "أتِمُّوا الرُّكوعَ والسُّجودَ" أدُّوا أركان الصَّلاةِ على الوَجهِ الأكملِ لها، وفي طُمأنينةٍ فلا يُستَعجَلُ فيهما؛ فيَكونُ الرُّكوعُ كما جاء عندَ ابنِ ماجَهْ: "إذا ركَعَ سوَّى ظهْرَه حتَّى لو صُبَّ عليه الماءُ لَاسْتَقَرَّ"، ويَكونُ السُّجودُ بمِثلِ ما تقدَّم في صَدرِ الحَديثِ؛ "فوالله إنِّي لأراكُم من بَعدِي -أو: من بعدِ ظَهرِي- إذا رَكَعتُم وإذا سَجَدتُم" فأشاهِدُكم بعَينِي وأنتُم خَلْفَ ظَهْري؛ فأرى مَن يخشَعُ منكم ويَعتَدِلُ في صَلاتِه، ومَن لا يَفعَلُ؛ فأرادَ صلَّى اللهُ عَلَيه وسَلَّمَ بذلِك حَضَّهم على الخُشوعِ وإتمامِ الرُّكوعِ في الصَّلاةِ، ومعنى رُؤيَتِه لهم من وراءِ ظَهرِه: أنَّ اللهَ تعالى خَلَقَ له صلَّى الله عليه وسلَّمَ إدراكًا مِن ورائِه، وهذا مِن خَصائِصِه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ. وإبصارُه إدراكٌ حقيقيٌّ انخرَقَت له فيه العادةُ، وقد انخرَقَت العادةُ له صلَّى الله عليه وسلَّمَ بأكثَرَ من هذا، وليس يمنَعُ من هذا عَقْلٌ ولا شَرْعٌ، بل وَرَدَ الشَّرْع بظاهِرِه فوجَبَ الإيمانُ به.
وفي الحديثِ: الأمرُ بالاعتِدالِ والتَّوسُّطِ في هَيئةِ السُّجودِ، والنَّهيُ عن افتِراشِ الكلبِ أو السَّبُعِ.
وفيه: من دَلائِلِ نُبُوَّتِه صلَّى اللهُ عَلَيه وسَلَّمَ رُؤيَتُه المُصَلِّين من خَلفِ ظَهرِه.