مسند جابر بن عبد الله رضي الله عنه 1017
مسند احمد
حدثنا أحمد بن عبد الملك، حدثنا زهير، حدثنا الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر، قال: كان لأبي شعيب غلام لحام، فلما رأى ما برسول الله صلى الله عليه وسلم من الجهد، أمر غلامه أن يجعل له طعاما يكفي خمسة، فأرسل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ائتنا خامس خمسة، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم، واتبعه رجل فلما انتهى إلى بابه قال: «إنك [ص:413] أرسلت إلي أن آتيك خامس خمسة، وإن هذا قد اتبعنا، فإن أذنت له دخل، وإلا رجع» قال: فإني قد أذنت له يا رسول الله فدخل
وفي هذا الحديثِ يَروي أبو مَسعودٍ عُقبةُ بنُ عمرٍو الأنصاريُّ رَضيَ اللهُ عنه أنَّه لَمَّا رَأى أبو شُعَيبٍ الأنصاريُّ رَضيَ اللهُ عنه ما على وَجْهِ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِن أَثَرِ الجُوعِ، قال لخادمٍ له -أو أَجيرٍ- له قَصَّابٍ -أي: جَزَّارٍ، وهو الَّذي يَقومُ بالذَّبحِ- وفي رِوايةٍ في الصَّحيحَينِ: «لَحَّامٍ» -وهو الَّذي يَبيعُ اللَّحْمَ-: اصْنَعْ لي طَعامًا يَكْفي خَمسةً مِن النَّاسِ، أَحَدُهم رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وإنَّما صَنَعَ طَعامًا يَكفي خَمسةً؛ لعِلمِه أنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ سيَتبَعُه مِن أصحابِه غيرُه، ويَحتمِلُ أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كان يَجلِسُ معه أربعةٌ، فَدَعاهُم رَضيَ اللهُ عنه بعْدَ أنْ صَنَعَ لهم الطَّعامَ، فَجاءَ معهم رَجُلٌ سادِسٌ لم يَكُنْ معهم حِين دَعاهم، فاستَأذَنَ له النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أبا شُعيبٍ رَضيَ اللهُ عنه، بَيانًا لحالِهِ، وتَطييبًا لقلْبِه ولقَلْبِ المُستأذَنِ؛ وذلك لأنَّه لم يُدْعَ، فَأَذِنَ له أبو شُعَيْبٍ استجابةً لرَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ
وإنَّما تَوقَّفَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في إذْنِه لهذا الرَّجلِ السادسِ؛ بخِلافِ استرسالِه في طَعامِ أبي طَلحةَ، والَّذي دَعا فيه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ جَمْعًا مِن الصَّحابةِ، ودونَ أنْ يَستأذِنَ لهم مِن أبي طَلْحةَ، كما في الصَّحيحَينِ؛ لأنَّ الدَّاعيَ في هذه القِصَّةِ حصَرَ العدَدَ حِينما قال لغلامِه: «طَعامَ خَمسةٍ»، ولم يُطلِقْها، وفي هذا تَوجيهٌ لَطيفٌ إلى أنَّ الدَّعواتِ المُحدَّدةَ العدَدِ يَنبغي أنْ يَلتزِمَ بها المَدْعُوون تُجاهَ الدَّاعي، وإلَّا استَأْذَنوا لِمَن رافَقَهم
وفي الحديثِ: مِن حُسنِ الضِّيافةِ أنَّ مَن دَعا شَخْصًا دَعا مَعه أصْحابَهُ الَّذين هُم أهْلُ مُجالَسَتِه
وفيه: أنَّه مَن أراد أنْ يَدْعوَ جَماعةً عليه أنْ يَصنَعَ لهم مِن الطَّعامِ كِفايَتَهم، ولا يُضَيِّقَ عليْهم
وفيه: أنَّه لا بَأْسَ لمَن وَجَدَ جَماعةً يَذهَبونَ إلى مَكانٍ أنْ يَتْبَعَهم؛ لأنَّه لو كان هذا مَمنوعًا لَنَهى النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ الَّذي تَبِعَه، ولَرَدَّهُ، وإنَّما المَمنوعُ دُخولُه مَعهُ بِغيرِ إذْنِ صاحِبِ الدَّعوةِ وَرِضاهُ
وفيه: أنَّه يَنبَغي للدَّاعي إذا استَأْذَنَه المَدْعوُّ فيمَنْ تَبِعَه أنْ يَأذَنَ له، كَما فَعَلَ أبو شُعَيْبٍ. وهذا مِن مَكارِمِ الأَخْلاقِ
وفيه: مَنْعُ أكْلِ طَعامِ شَخْصٍ دونَ إذنِه
وفيه: مَشروعيَّةُ الاكتِسابِ بصَنْعةِ الجِزارةِ
وفيه: إجابةُ الإمامِ، والشَّريفِ، والكبيرِ دَعوةَ مَن دُونَهم