مسند جابر بن عبد الله رضي الله عنه 1025
مسند احمد
حدثنا عبد الله بن محمد، حدثنا أبو خالد الأحمر، عن مجالد، عن الشعبي، عن جابر، قال: كنا جلوسا عند النبي صلى الله عليه وسلم فخط خطا هكذا أمامه، فقال: «هذا سبيل الله» ، وخطين عن يمينه، وخطين عن شماله قال: «هذه سبيل الشيطان» ، ثم وضع يده في الخط الأوسط، ثم تلا هذه الآية: {وأن هذا صراطي مستقيما [ص:418] فاتبعوه، ولا تتبعوا السبل، فتفرق بكم عن سبيله ذلكم، وصاكم به لعلكم تتقون} [الأنعام: 153]
طَريقُ اللهِ طَريقٌ مُسْتقيمٌ واضِحٌ لا اعْوِجاجَ فيه، وقد بيَّن الحَقُّ سُبحانَه مَعالِمَ الطَّريقِ للناسِ، وأوْضَحَ تَفاصيلَهُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وحذَّر الناسَ من سُبُلِ الشَّياطينِ
وفي هذا الحديثِ جانِبٌ من جَوانِبِ التَّعْليمِ النَّبويِّ، وأُسلوبٌ من أَساليبِه الفَريدةِ باسْتِخْدامِ الرَّمْزِ والرَّسْمِ التَّوضيحيِّ؛ لتَوْصيلِ المعاني إلى الأفْهامِ؛ فيَرْوي عبدُ اللهِ بنُ مسعودٍ رضِيَ اللهُ عنه: "أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم خطَّ خطًّا مُسْتقيمًا"، أي: رَسَمَ خطًّا على الأرْضِ، "فقال: هذا سَبيلُ اللهِ" وهو الدِّينُ القويمُ والطَّريقُ المُسْتقيمُ، "ثم خطَّ خُطوطًا عن يَمينِه وشِمالِه"، أي: رَسَمَ على جانِبَيِ الخطِّ؛ خُطوطًا تتفرَّعُ عنه، "وقال: هذه السُّبُلُ على كُلِّ سَبيلٍ منها شَيْطانٌ يَدْعو إليه"، أي: يُغْوي ويُبعِدُ عن صِراطِ اللهِ المُسْتقيمِ، وهي طُرُقٌ مُتشعِّبَةٌ مُتفرِّقَةٌ كُلُّها تُبعِدُ عن الحَقِّ، ثم تَلا النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قوْلَ الحَقِّ قوْلَه تَعالَى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} [الأنعام: 153] إشارَةٌ إلى القَصْدِ والتَّوسُّطِ بين الإفْراطِ والتَّفْريطِ، وأُضيفَ الصِّراطُ إلى رَبِّ العِزَّةِ؛ تَفْخيمًا وتَعْظيمًا لشأْنِه، وهذا الصِّراطُ المُسْتقيمُ هو ما لَمَّحَ إليه رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في حَديثِ عبدِ اللهِ بنِ عمرٍو بقَوْلِه: "ما أنا عليه وأصْحابي"أخْرجَه التِّرمذيُّ، وفي حَديثِ مُعاويَةَ بقَوْلِه: "وهي الجَماعَةُ" أخْرجَه أحْمَدُ
وفي الحديثِ: بَيانُ حِرصِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على تَوْضيحِ الحَقِّ لأُمَّتِه
وفيه: بَيانُ بأنَّ اتِّباعَ صِراطِ اللهِ المُسْتقيمِ يكونُ باتِّباعِ صَحيحِ الدِّينِ
وفيه: أنَّ الشَّياطينَ يُغْوونَ الناسَ، ويُضِلونَهم عن الحَقِّ، ويَقِفونَ لهم في طَريقِ اللهِ المُسْتقيمِ