مسند جابر بن عبد الله رضي الله عنه 4
مسند احمد
حدثنا يحيى بن حماد، حدثنا أبو عوانة، عن الأسود بن قيس، عن نبيح العنزي، أن جابر بن عبد الله، قال: غزونا - أو سافرنا - مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونحن يومئذ بضعة عشر ومائتان، فحضرت الصلاة، فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هل في القوم من ماء؟» فجاء رجل يسعى بإداوة فيها شيء من ماء، قال: فصبه رسول الله صلى الله عليه وسلم في قدح، قال: فتوضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأحسن الوضوء، ثم انصرف، وترك القدح، فركب الناس القدح تمسحوا، وتمسحوا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «على رسلكم» حين سمعهم يقولون ذلك، قال: فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم كفه في الماء والقدح، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم [ص:14]: «بسم الله» ، ثم قال: «أسبغوا الوضوء» ، فوالذي هو ابتلاني ببصري لقد رأيت العيون، عيون الماء، يومئذ تخرج من بين أصابع رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى توضئوا أجمعون
أيَّدَ اللهُ سُبحانَه نَبيَّه مُحمَّدًا صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بالمُعجِزاتِ الماديَّةِ والمَعنويَّةِ؛ ليُثَبِّتَ قُلوبَ الذين آمَنوا بما يقَعُ أمامَ أعيُنِهم، ومنها ما في هذا الحَديثِ، وفيه يقولُ أنَسُ بنُ مالِكٍ رضِيَ اللهُ عنه: "حضَرَتِ الصلاةُ"، ودخَلَ وَقتُها بالأذانِ، "فقامَ مَن كان قَريبَ الدَّارِ إلى أهلِه"، أي: فذهَبَ مَن كانتْ دِيارُهم قَريبةً مِن المَسجِدِ ليَتوضَّأَ في دارِهِ "فتَوضَّأَ، وبَقيَ قومٌ" لم يَذهَبوا للوُضوءِ، "فأُتيَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بمِخضَبٍ من حِجارةٍ"، وهو إناءٌ صَغيرٌ مَصنوعٌ من الحِجارةِ، "فيه ماءٌ، فصَغُرَ المِخضَبُ عن أنْ يَملأَ فيه كفَّه"، لم يَتَّسِعِ الإناءُ لصِغَرِه أنْ يُدخِلَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كفَّه فيه ليَأخُذَ منه الماءَ، "فضَمَّ أصابِعَه فوَضَعَها في المِخضَبِ"، فأخَذَ الماءَ بأصابِعِه بأقلِّ قَدرٍ، "فتَوضَّأَ القَومُ كلُّهم جَميعًا" مِن هذا الإناءِ الصغيرِ، "فقُلْنا" لأنَسٍ، والقائلُ هنا هو حُمَيدُ بنُ أبي حُمَيدٍ الطَّويلُ، الراوي عن أنَسٍ: "كم كانوا؟ قال: ثَمانينَ رجُلًا"، فكَفاهم الماءُ القَليلُ في هذا الإناءِ الصَّغيرِ بقُدرةِ اللهِ سُبحانَه الذي وضَعَ فيه البَرَكةَ؛ لمَكانةِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وإظهارًا لمُعجِزةٍ يَراها الناسُ المؤمِنونَ؛ لِيَزدادوا إيمانًا ويَقينًا
وفي الحَديثِ: دَليلٌ على استِخدامِ الأواني مِن جواهِرِ الأرضِ ونَباتِها، وأنَّها طاهرةٌ ولا رَيبَ في استِعمالِها
وفيه: أنَّ اللهَ سُبحانَه يُجري المُعجِزاتِ على أيدي الأنبياءِ؛ لِيُثبِّتَ الإيمانَ في القُلوبِ