مسند جابر بن عبد الله رضي الله عنه 719
مسند احمد
حدثنا عفان، حدثنا أبو عوانة، حدثنا أبو بشر، عن سليمان بن قيس، عن جابر بن عبد الله، قال: قاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم محارب خصفة بنخل، فرأوا من المسلمين غرة، فجاء رجل منهم يقال له: غورث بن الحارث، حتى قام على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسيف، فقال: من يمنعك مني؟ قال: «الله» ، فسقط السيف من يده، فأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «من يمنعك مني؟» قال: كن كخير آخذ، قال: «أتشهد أن لا إله إلا الله» ، قال: لا، ولكني أعاهدك أن لا أقاتلك، ولا أكون مع قوم يقاتلونك، فخلى سبيله، قال: فذهب إلى أصحابه، قال: قد جئتكم من عند خير الناس، فلما كان الظهر أو العصر صلى بهم صلاة الخوف، فكان الناس طائفتين طائفة بإزاء عدوهم، وطائفة صلوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصلى بالطائفة الذين كانوا معه ركعتين، ثم انصرفوا، فكانوا مكان أولئك الذين كانوا بإزاء عدوهم، وجاء أولئك، فصلى بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين، فكان للقوم ركعتان ركعتان، ولرسول الله صلى الله عليه وسلم أربع ركعات
أُرسِلَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم رَحمةً للعالَمينَ، وكان صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حريصًا على هدايةِ النَّاسِ جَميعًا عَرَبِهم وعجَمِهم، حتَّى إنَّه كان يَحرِصُ على إيمانِ أصحابِ الدِّياناتِ السَّابِقةِ المُحَرَّفةِ مِنَ اليَهودِ والنَّصارى، ويَزورُهم ويَعرِضُ عليهمُ الإسلامَ
وفي هذا الحَديثِ أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم دَخَلَ على غُلامٍ، أي: ولدٍ صَغيرٍ لم يَبلُغْ مِنَ اليَهودِ، وهو مَريضٌ، أي: جاءَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إلى هذا الغُلامِ اليَهوديِّ يَزورُه في مَرَضِه، ويَرجو مِن ذلك أن يُؤمِنَ الغُلامُ، وجاءَ في رِوايةٍ أنَّ هذا الغُلامَ كان يَخدُمُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم للغُلامِ: أتَشهَدُ أنْ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، أي: أتُقِرُّ وتَعتَرِفُ بأنَّه لا مَعبودَ بحَقٍّ إلَّا اللَّهُ، ولا يَستَحِقُّ العِبادةَ أحَدٌ سِواه. فقال الغُلامُ: نَعَم، أي: أُقِرُّ بذلك. فقال له رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أتَشهَدُ أنَّ مُحَمَّدًا رَسولُ اللهِ، أي: أتُقِرُّ وتُؤمِنُ بأنِّي رَسولُ اللهِ مِن عِندِ اللهِ. فقال الغُلامُ: نَعَم، أي: أؤمِنُ بذلك. ثُمَّ قُبِضَ، أي: نُزِعَت روحُ الغُلامِ وماتَ، فوَلِيَه رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم والمُسلِمونَ، أي: تولَّى أمرَ هذا الطِّفلِ والقيامَ عليه رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم والصَّحابةُ مَعَه؛ لأنَّه أصبَحَ مُسلِمًا؛ ولذلك غَسَّلوه ودَفَنوه، أي: تَولَّوا تَغسيلَه وتَكفينَه ودَفنَه في مَقابِرِ المُسلِمينَ
وفي الحَديثِ بَيانُ حِرصِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على هدايةِ النَّاسِ جَميعًا
وفيه مَشروعيَّةُ زيارةِ الكافِرِ في مَرَضِه، لا سيَّما إذا كان يُرجى مِن ذلك إسلامُه
وفيه مَشروعيَّةُ عَرضِ الإسلامِ على الصَّبيِّ، ولولا صِحَّةُ الإسلامِ منه ما عَرَضَه عليه
وفيه مَشروعيَّةُ تَلقينِ الشَّهادَتَينِ للكافِرِ في مَرَضِه
وفيه أنَّ الكافِرَ إذا أسلَمَ ثُمَّ ماتَ فالمُسلِمونَ أَولى به مِنَ الكُفَّارِ