مسند جابر بن عبد الله رضي الله عنه 732
مسند احمد
حدثنا أبو أحمد الزبيري، حدثنا قطن، عن أبي الزبير، عن جابر، قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نحسب إلا أننا حجاجا، فلما قدمنا مكة نودي فينا: من كان منكم ليس معه هدي فليحل، ومن كان معه هدي، فليقم على إحرامه، قال: فأحل الناس بعمرة إلا من كان ساق الهدي، قال: وبقي النبي صلى الله عليه وسلم ومعه مائة بدنة، وقدم علي من اليمن، فقال له: «بأي شيء أهللت؟» قال: قلت: اللهم إني أهل بما أهل به نبيك صلى الله عليه وسلم، قال: فأعطاه نيفا على الثلاثين من البدن، قال: ثم ثبتا على إحرامهما حتى بلغ الهدي محله
الحَجُّ هو أحَدُ أركانِ الإسلامِ التي أمَرَ اللهُ عَزَّ وجَلَّ بها عِبادَه؛ يَفعَلُها المُستَطِيعُ صِحِّيًّا ومادِّيًّا، وقد حَجَّ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حَجَّةَ الوَداعِ، فنَقَلَ عنه الصَّحابةُ رَضيَ اللهُ عنهم تَفاصِيلَ تلك الحَجَّةِ؛ لكي نَتعَلَّمَ كَيفيَّةَ الحَجِّ التي أمَرَ بها اللهُ عَزَّ وجَلَّ
وفي هذا الحَديثِ بيانٌ لبعض مناسِكِ الحجِّ، حيثُ يُخبِرُ جابِرُ بنُ عَبدِ اللهِ رَضيَ اللهُ عنهما أنَّه والصَّحابةَ رَضيَ اللهُ عنهم خَرَجوا مع رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في حَجَّةِ الوَداعِ في السَّنةِ العاشِرةِ مِنَ الهِجرةِ عاقِدينَ النِّيَّةَ على الإحرامِ بالحَجِّ، فقَدِموا مَكَّةَ، وكانَ قُدومُهم صَبيحةَ اليَومِ الرَّابِعِ مِن ذي الحِجَّةِ، فلَمَّا أنِ انتَهَوْا مِنْ أعمالِ العُمرةِ مِنَ الطَّوافِ بالكَعبةِ، والسَّعيِ بَينَ الصَّفا والمَروةِ، أمَرَهمُ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بالإحلالِ مِن إحرامِهم بالحَلقِ أوِ التَّقصيرِ، وأنْ يَجعَلوها عُمرةً؛ فيَكونوا بذلك مُتَمتِّعينَ، إلَّا مَن ساقَ الهَدْيَ، فأمَرَه أنْ يَبقَى على إحرامِه حتى الانتِهاءِ مِن مَناسِكِ الحَجِّ، وهذا لِبَيانِ مُخالَفةِ ما كانَتْ عليه الجاهِليَّةُ مِن تَحريمِ العُمرةِ في أشهُرِ الحَجِّ، وقد شَرَعَه اللهُ في كِتابِه، وبَيَّنَ أحكامَه، حيث قال تعالَى: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: 196]، والتَّمتُّعُ في الحَجِّ هو أنْ يُحرِمَ بالعُمرةِ في أشهُرِ الحَجِّ، ثم يَحِلَّ منها، ثم يُحرِمَ بالحَجِّ مِن عامِه، فإذا قَدِمَ مَكَّةَ في أشهُرِ الحَجِّ واعتَمَرَ وانتَهى مِن عُمرَتِه، فلَه أنْ يَتحَلَّلَ مِن إحرامِه، ويَتمَتَّعَ بكُلِّ ما هو حَلالٌ، حتى تَبدَأ مَناسِكُ الحَجِّ، ثُمَّ يَخرُجَ يَومَ التَّرويةِ وهو اليومُ الثامِنُ من ذي الحَجَّةِ إلى الحِلِّ، فيُحرِمَ بالحَجِّ، ويُهِلَّ به.قال جابِرٌ رَضيَ اللهُ عنه: وبَقيَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِمَّن لم يَحِلَّ مِن إحرامِه؛ لِأنَّه كان مِمَّن ساقَ الهَدْيَ، وكان معه مِئةُ بَدَنةٍ، والبَدَنةُ واحِدةُ الإبِلِ أوِ البَقَرِ، مِمَّا يُذبَحُ في الهَدْيِ ذَكَرًا كانَ أو أُنْثى، ومِنها جُزءٌ كان قد قَدِمَ به علِيُّ بنُ أبي طالِبٍ رَضيَ اللهُ عنه مِنَ اليَمَنِ، ولَمَّا قَدِمَ سألَه النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عن إهلالِه وما تَلَفَّظَ به حينَ أحرَمَ لِلحَجِّ، فقال علِيٌّ رَضيَ اللهُ عنه: "قُلتُ: اللَّهُمَّ إنِّي أُهِلُّ بما أهَلَّ به نَبيُّكَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ"، فجَعَلَ إهلالَه مُعَلَّقًا على ما أهَلَّ به النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لِنَفْسِه، فنَهاه النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عنِ الإحلالِ، وبَقيَ على إحرامِه معه، حتى إذا كان يَومُ النَّحرِ، يَومُ عِيدِ الأضْحى، في العاشِرِ مِن ذي الحِجَّةِ، وهو وَقتُ بُلوغِ الهَدْيِ مَحِلَّه لِلذَّبحِ في مِنًى؛ أعطَى النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ علِيًّا نَيِّفًا على الثَّلاثينَ مِنَ البُدْنِ؛ لِيَذبَحَها، وأشرَكَه بذلك في هَدْيِه، كما في رِوايةِ مُسلِمٍ، والنَّيِّفُ: مِنَ الواحِدِ إلى الثَّلاثةِ
وفي الحَديثِ: مَشروعيَّةُ التَّمتُّعِ بالعُمرةِ إلى الحَجِّ