مسند جابر بن عبد الله رضي الله عنه 8
مسند احمد
حدثنا يحيى بن آدم، حدثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن سعيد بن أبي كرب، عن جابر بن عبد الله، قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب إلى خشبة، فلما جعل منبر، حنت حنين الناقة إلى ولدها، فأتاها فوضع يده عليها، فسكنت»
كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَخطُبُ في الجمُعةِ وغيرِ ذلك مِن مُناسَباتِ الخَطابةِ وهو واقفٌ على جِذْعِ نخْلةٍ في المسجِدِ
وفي هذا الحَديثِ يقولُ سَهلُ بنُ سَعدٍ السَّاعديُّ رضِيَ اللهُ عنه: "كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يقومُ يومَ الجُمعةِ إذا خطَبَ إلى خَشبةٍ ذاتِ فُرْضَتَينِ"، والفُرْضةُ في الحائِطِ والخَشبِ ونَحوِه كالفُرْجَةِ، والفَرْضُ الحَزُّ فِي الشَّيْءِ والقَطْعُ؛ يُقالُ: فَرَضْتُ الخَشَبَةَ فَرْضًا: حَزَزْتُها، والمعنى: أنَّه كان للخَشبةِ فَتحتانِ مِثْلُ الدَّرجتَينِ يَصعَدُ عليهما النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، "أُراهَا مِن دَوْمٍ"، أي: مِن شَجرِ الدَّومِ، "وكان يَتَّكِئُ"، أي: بيَدِه، "عليها ويَستنِدُ إليها، فقال له أصحابُه: إنَّ النَّاسَ قد كَثُروا، فلو أمَرْتَ بمِنْبرٍ تقومُ عليه"، أي: تقِفُ عليه عندَ الخُطبةِ، "يراكَ النَّاسُ"، أي: لأجْلِ أنْ تكونَ أكثَرَ ظُهورًا للحاضرينَ، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: "ما شِئْتُم"، وهذا إقرارٌ منه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بعَدمِ وُجودِ حرَجٍ مِن اتِّخاذِ المِنْبرِ، قال سَهلٌ رضِيَ اللهُ عنه: "ولم يكُنْ بالمدينةِ إلَّا نجَّارٌ واحدٌ، فانطلقْتُ أنا وذلك النَّجَّارُ إلى الغابةِ"، وهي مَنطقةٌ تَبعُدُ عن المدينةِ مسافةَ 15 كيلو مِتْر، "فقطَّعْناهُ"، أي: المِنْبرَ، "مِن أَثْلَتِه" والأثْلُ: نوعٌ مِن الشَّجرِ، "فلمَّا صَعِدَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حنَّتِ الخَشبةُ حَنينَ النَّاقةِ"، أي: أصدَرَتِ الخشبةُ القديمةُ صَوتًا فيه حُزنٌ مِثْلَ صَوتِ النَّاقةِ الحزينةِ؛ لفِراقِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بعدَ أنْ ترَكَها واتَّخَذَ المِنبَرَ، "فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: ألَا تَعجَبون لهذه الخشبةِ؛ فرَقَّ النَّاسُ"، أي: حَزِنوا لهذه الخشبةِ ولانَتْ قُلوبُهم لبُكائِها، "وكثُرَ بُكاؤهم، فنزَلَ إليها رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، فوضَعَ يدَهُ عليها، فسكَنَتْ"، أي: هدَأَتْ، "فأمَرَ بها، فدُفِنَت تحتَ المِنبَرِ، أو جُعِلَت في السَّقفِ"، إكرامًا لها، ولتَكونَ قريبةً مِن الذِّكْرِ
وفي الحديثِ: مُعجزةٌ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بحَنِينِ الخَشبةِ إليه وبُكائِها لِفُراقِه
وفيه: بَيانُ حُبِّ الصَّحابةِ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ معَ حِرْصِهم على راحتِه
وفيه: الاستعانةُ بأهْلِ الصِّناعاتِ والمَقْدِرَةِ في كُلِّ شَيءٍ يَشْمَلُ المُسلِمينَ نَفْعُه