مسند جابر بن عبد الله رضي الله عنه 991
مسند احمد
حدثنا حسن، حدثنا ابن لهيعة، حدثنا أبو الزبير، عن جابر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اجتنبوا الكبائر، وسددوا، وأبشروا»
كان النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُحَذِّرُ أُمَّتَه مِنَ الكَبائِرَ التي رُبَّما واحِدةٌ منها تُودِي بصاحِبِها إلى نارِ جَهَنَّمَ إنْ لم يَتُبْ منها، ولِعِلمِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بأنَّ التَّكاليفَ الشَّرعيَّةَ كَثيرةٌ، وأنَّ المُسلِمَ تَنتابُه شَواغِلُ الدُّنيا، وهو لا يَستَطيعُ أنْ يَجمَعَ كُلَّ مأْموراتِ الشَّرعِ، وكُلَّ نَواهيه، فأمَرَنا بالعَمَلِ قَدْرَ الاستِطاعةِ، مع عَدَمِ التَّقصيرِ
وفي هذا الحَديثِ يأْمُرُ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أُمَّتَه باجتِنابِ الكَبائِرِ، والمَقصودُ بها الذُّنوبُ العَظيمةُ، وهي كُلُّ ذَنبٍ أُطْلِقَ عليه -في القُرآنِ، أوِ السُّنَّةِ الصَّحيحةِ، أوِ الإجماعِ- أنَّه كَبيرةٌ، أو أُخبِرَ فيه بشِدَّةِ العِقابِ، أو كانَ فيه حَدٌّ، أو شُدِّدَ النَّكيرُ على فاعِلِه، أو وَرَدَ فيه لَعنُ فاعِلِه. وقيلَ: الكَبائِرُ هي كُلُّ فِعلٍ قَبيحٍ شَدَّدَ الشَّرعُ في النَّهيِ عنه، وأعظَمَ أمْرَه. وقد جَعَلَ اللهُ عَزَّ وجَلَّ لِمَغفِرةِ الكَبائِرِ شُروطًا، وهي: الإقلاعُ عنِ الذَّنبِ، النَّدَمُ على ما فاتَ، العَزمُ على عَدَمِ العَودةِ إليه، التَّحَلُّلُ مِن صاحِبِ الحَقِّ -إنْ كان الذَّنبُ مُتعَلِّقًا بمَظالِمِ العِبادِ-. ثم قال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "سَدِّدوا"، مِنَ السَّدادِ، وهو القَصدُ في الأمْرِ، والعَدلُ فيه، والمَعنى: اسْعَوْا في عَمَلِ ما أُمِرتُم به بالقَدْرِ الذي لا يَكونُ فيه تَقصيرٌ أو غُلوٌّ، "وأبْشِروا" بالثَّوابِ على العَمَلِ، وبغُفرانِ اللهِ وعَفْوِه؛ فإنَّه قد وَعَدَ مَنِ اجتَنَبَ الكَبائِرَ بتَكفيرِ ذَنبِه
وفي الحَديثِ: تَبشيرُ النَّاسِ بالخَيرِ، والبُعدُ عن إشعارِهم باليَأْسِ
وفيه: أهمِّيَّةُ المُداوَمةِ على الأعمالِ الصَّالِحةِ، وإنْ قَلَّتْ، مع اجتِنابِ الكَبائِرِ