مسند عبد الله بن العباس بن عبد المطلب ، عن النبي صلى الله عليه وسلم 115
حدثنا يحيى، حدثنا ابن عون، عن محمد، عن ابن عباس، قال: " سرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين مكة والمدينة، فصلى ركعتين لا يخاف إلا الله عز وجل "
البيتُ الحرامُ هو بيتُ اللهِ في الأرضِ وهو قِبْلةُ المسلمين، وقد رفَعَ قواعدَه الخليلُ إبراهيمُ مع ابنه إسماعيلَ عليهما السلام، وقد حجَّه الأنبياءُ والمُرسَلون، وكلُّ مَن لبَّى نِداءَ الخليلِ، وهذا الحديثُ يُوضِّح معرفةَ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم بمَن حَجَّ البيتَ من الأنبياء، ومعرفةَ أماكنِ سَيْرهم في الطَّريق إليه
"سِرْنا مع رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم بين مكَّة والمدينةِ فمَرَرْنا بوادٍ، فقال: أي وادٍ هذا؟ فقالوا: وادي الأزرق"، والوادي: هو الأرضُ السَّهلةُ بين الجَبَلين؛ وسُمِّي بذلك لزُرقةِ لونه، أو نِسبة إلى رَجُل اسمه الأزرق، "فقال: كأنِّي أَنظُر إلى موسى، "فذكَر من لونِه وشَعْره شيئًا لم يَحفْظه داودُ، واضعًا إصْبَعيه في أُذنَيه، له جُؤَارٌ إلى اللهِ بالتَّلبية مارًّا بهذا الوادي"، أي: يضعُ إصْبَعيه في أُذنيه؛ لأنَّ له صوتًا عاليًا بالتَّلبية، وهو يَمُرُّ بهذا الوادي
"قال: ثم سِرْنا حتَّى أَتَيْنا على ثَنِيَّة"، والثَّنِيَّة هي المُنحنى في الطَّريق، أو المكان العالي بين جَبَلين، فقال: "أي ثَنِيَّة هذه؟ قالوا: هَرْشَى أو لِفْتٌ"، وهي مَوضِع في طريقِ مكَّة والشَّام الذي يَمُرُّ بالمدينةِ النَّبويَّة، "فقال: كأنِّي أنظرُ إلى يُونسَ بن مَتَّى على ناقةٍ حمراءَ، عليه جُبَّةُ صُوفٍ"، أي: يَلبَس ثيابًا من الصُّوف، "خِطامُ ناقتِه لِيفٌ خُلْبَةٌ"، أي: حَبْل ناقتِه التي يشدُّها به مصنوع من لِيفِ النَّخيلِ، "مارًّا بهذا الوادي مُلبِّيًا"، أي: وهو يَمُرُّ بهذه المنطقة وهو يُلبِّي بالحجِّ
وهذا الإخبارُ من النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم إمَّا أنْ يكونَ إخبارًا عن أفعالِ الأنبياء في حَياتِهم وسابِق أيَّامهم، وحَكاه النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم بما أَعلَمه اللهُ من أخبارِهم، وإمَّا أنْ يكونَ إخبارًا عن أفعالِهم بعدَ مماتهم، وأنَّه رآهم يَحُجُّون البيتَ، فوصَف حالتَهم التي يراها
وفي الحديث: عِلْمُ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم بأحوالِ الأنبياء وإخبارِه بذلك.
وفيه: بيانُ أنَّ الأنبياءَ حَجُّوا البيتَ في حياتهم، أو أنَّهم يَحُجُّون بعد مماتهم؛ لأنَّهم أحياءٌ في قُبورِهم .