مسند عبد الله بن العباس بن عبد المطلب ، عن النبي صلى الله عليه وسلم 191
حدثنا يزيد، أخبرنا سفيان بن حسين (1) ، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن ابن عباس، قال: رأى رجل رؤيا، فجاء للنبي (2) صلى الله عليه وسلم فقال: إني رأيت كأن ظلة تنطف عسلا وسمنا، فكان الناس يأخذون منها، فبين مستكثر وبين مستقل وبين ذلك، وكأن سببا متصلا إلى السماء - وقال يزيد مرة: وكأن سببا دلي من السماء - فجئت، فأخذت به، فعلوت فأعلاك الله، ثم جاء رجل من بعدك، فأخذ به فعلا فأعلاه الله، ثم جاء رجل من بعدكما، فأخذ به فعلا، فأعلاه الله، ثم جاء رجل من بعدكم، فأخذ به فقطع به، ثم وصل له فعلا، فأعلاه الله. قال أبو بكر: ائذن لي يا رسول الله، فأعبرها فأذن له، فقال: أما الظلة: فالإسلام، وأما العسل والسمن: فحلاوة القرآن، فبين مستكثر، وبين مستقل، وبين ذلك، وأما السبب: فما أنت عليه، تعلو فيعليك الله، ثم يكون من بعدك رجل على منهاجك، فيعلو ويعليه الله، ثم يكون من بعدكما رجل، فيأخذ بأخذكما، فيعلو فيعليه الله، ثم يكون من بعدكم رجل يقطع به، ثم يوصل له، فيعلو فيعليه الله، قال: أصبت يا رسول الله؟ قال: " أصبت، وأخطأت " قال: أقسمت يا رسول الله لتخبرني، فقال: " لا تقسم "
من رحمة الله بالمؤمنين أنه يبشرهم ويعطيهم البشرى بإرهاصات مثل الرؤيا الصادقة في المنام؛ فرؤيا المؤمن جزء من أجزاء النبوة
وفي هذا الحديث يخبر عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن رجلا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبره أنه رأى في منامه سحابة لها ظلة، وكل ما أظل من سقيفة ونحوها يسمى ظلة، «تنطف»، أي: يقطر منها السمن والعسل، وأنه رأى الناس يأخذون منها بأكفهم، وكان منهم المستكثر الذي يأخذ كثيرا، ومنهم المستقل في الأخذ مما تقطر، فيأخذ قليلا، ثم أخبر أنه رأى سببا -وهو الحبل- واصلا من الأرض إلى السماء، فرأى النبي صلى الله عليه وسلم قد أخذ بهذا الحبل وأمسك به، فارتفع، ثم أمسك به رجل آخر فارتفع أيضا، ثم أمسك به رجل آخر فارتفع أيضا، ثم أمسك به رجل آخر، فانقطع ثم وصل
فلما سمع أبو بكر رضي الله عنه هذه الرؤيا، طلب من النبي صلى الله عليه وسلم وأقسم عليه أن يتركه يؤولها ويفسرها، وقوله: «بأبي أنت»، أي: أفديك بأبي، فأذن له النبي صلى الله عليه وسلم في تفسيرها، ففسرها أبو بكر رضي الله عنه بأن الظلة الإسلام، والذي يقطر من العسل والسمن القرآن؛ حلاوته تقطر، والناس بين مستزيد منه ومقل، وأما الحبل الواصل من السماء إلى الأرض فالحق الذي عليه النبي صلى الله عليه وسلم، يأخذ به النبي صلى الله عليه وسلم فيعليه الله به، ثم يأخذ به رجل من بعد النبي صلى الله عليه وسلم فيعلو به، ثم يأخذ به رجل آخر فيعلو به، ثم يأخذ به رجل آخر فينقطع به، ثم يوصل له، فيعلو به، هكذا فسرها أبو بكر رضي الله عنه على وجه العموم، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «أصبت بعضا وأخطأت بعضا»، فأقسم أبو بكر رضي الله عنه على النبي صلى الله عليه وسلم أن يخبره بالذي أخطأ فيه، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تقسم»، ولم يخبره صلى الله عليه وسلم، فالله أعلم بما أصاب وبما أخطأ.
والعلماء فسروا هذه الرؤيا بأنها كانت إشارة إلى تولي الخلفاء الراشدين من بعد النبي صلى الله عليه وسلم، وأن الرجل الأول الذي أخذ بالحبل وارتفع هو أبو بكر رضي الله عنه، ثم جاء من بعده عمر رضي الله عنه، فأخذ الحبل وارتفع به، ثم جاء الثالث فأخذ الحبل وانقطع به، ثم وصل مرة أخرى، وكان ذلك إشارة إلى أن عثمان بن عفان رضي الله عنه كاد أن ينقطع به الحبل عن اللحوق بصاحبيه بسبب ما وقع له من فتن، فعبر عنها بانقطاع الحبل، ثم وقعت له الشهادة فاتصل بهم، فعبر عنه بأن الحبل وصل له فاتصل، فالتحق بهم
وفي الحديث: سكوت العالم عن تعبير بعض الرؤيا إذا خشي منها فتنة على الناس أو غما
وفيه: عدم إبرار القسم إذا كان فيه ضرر