‌‌مسند عبد الله بن العباس بن عبد المطلب ، عن النبي صلى الله عليه وسلم 261

‌‌مسند عبد الله بن العباس بن عبد المطلب  ، عن النبي صلى الله عليه وسلم 261

حدثنا إسماعيل بن يزيد الرقي أبو يزيد، حدثنا فرات، عن (2) عبد الكريم، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: قال أبو جهل: لئن رأيت رسول الله يصلي عند الكعبة، لآتينه حتى أطأ على عنقه، قال: فقال: " لو فعل، لأخذته الملائكة عيانا، ولو أن اليهود تمنوا الموت، لماتوا، ورأوا مقاعدهم من النار، ولو خرج الذين يباهلون رسول الله صلى الله عليه وسلم، لرجعوا لا يجدون مالا ولا أهلا "

لاقى النبي صلى الله عليه وسلم الكثير من الشدائد في سبيل الدعوة إلى الله، وقد أيد الله سبحانه نبيه وحفظه من كيد الكائدين الذين بلغ بهم الحقد والكفر مبلغا عظيما، كما يبين هذا الحديث الذي يروي فيه عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: "قال أبو جهل"، واسمه عمرو بن هشام الأموي، ورسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي كناه بأبي جهل: "لئن رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي عند الكعبة لآتينه حتى أطأ على عنقه"، أي: أضع قدمي على رقبته إذلالا وإهانة له، وهذا يدل على أن أمر النبي صلى الله عليه وسلم قد بلغ من أبي جهل كل مبلغ، قال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: "فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو فعل"، أي: ما توعد به النبي صلى الله عليه وسلم، "لأخذته الملائكة عيانا"، أي: لخطفته الملائكة وأجهزت عليه أمام أعين الناس؛ جزاء على مبالغته في أذى النبي صلى الله عليه وسلم، ثم تعرضه له لمنعه من العبادة، "ولو أن اليهود تمنوا الموت لماتوا ورأوا مقاعدهم في النار"؛ وذلك لأنهم زعموا أنهم أولياء لله من دون الناس، ولم يؤمنوا برسالة النبي صلى الله عليه وسلم، "ولو خرج الذين يباهلون رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجعوا لا يجدون مالا ولا أهلا"، وهم نصارى نجران الذين أصروا على قولهم في عيسى عليه السلام: إنه ابن الله، فنزلت تلك الآية: {فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنت الله على الكاذبين} [آل عمران: 61]، يدعوهم فيها النبي صلى الله عليه وسلم إلى المباهلة، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا، فنزله منزلة نفسه؛ لما بينهما من القرابة والأخوة، وفاطمة؛ لأنها أخص النساء من أقاربه، وحسنا وحسينا، فنزلهما منزلة ابنيه صلى الله عليه وسلم، فقال: "اللهم هؤلاء أهل بيتي"، أي: ليبتهل بهم النبي صلى الله عليه وسلم أمام النصارى، والمباهلة: هي أن يدعو كل واحد من المتلاعنين على نفسه بالعذاب على الكاذب والمبطل. ولكنهم لم يجرؤوا على المباهلة، ولو تمت لرجعوا من عند النبي صلى الله عليه وسلم ووجدوا أهلهم وأموالهم قد هلكت، وهذا دليل على معرفتهم بصدقه صلى الله عليه وسلم، فلم يتجاسروا على مباهلته، ولولا علمهم بصدقه ما توقفوا
وفي الحديث: بيان أن أذى المشركين تناهى برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أقصى غاية، ولكنه صبر من أجل الدعوة
وفيه: أن الله سبحانه لا يذل نبيه ولا يسلط عليه أعداءه