مسند عبد الله بن العباس بن عبد المطلب، عن النبي صلى الله عليه وسلم 340
حدثنا عثمان بن محمد، وسمعته أنا من عثمان بن محمد، حدثنا جرير، عن قابوس، عن أبيه، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ليس منكم من أحد إلا وقد وكل به قرينه من الشياطين " قالوا: وأنت يا رسول الله؟ قال: " نعم، ولكن الله أعانني عليه فأسلم "
الجن أجسام نارية قابلة للتشكل بأشكال مختلفة، وهم مخلوقات غير منظورة لنا، وقد يريها الله من شاء من خلقه، وهم مكلفون مثلنا، منهم المؤمنون والكافرون والعصاة، ومنهم الطيب والخبيث
وفي هذا الحديث يخبر النبي صلى الله عليه وسلم بوجود الجن من حولنا، وأن منهم من وكل بالإنسان فلا يفارقه، ويكيد له ليوقعه في الشرور والآثام، وأنه ما من أحد مهما بلغ من العبادة والعلم ما بلغ، إلا وقد وكل به قرينه من الجن، وهو شيطان سلط عليه ليغويه، ويسول له ويشككه في الدين ويوسوس له؛ ليصرفه عن الطاعة، ويوقعه في المعصية، فينبغي الحذر الشديد منه
فسأله الصحابة رضي الله عنهم قائلين: «وإياك يا رسول الله؟»، أي: هل الله عز وجل قد قيد لك أنت أيضا -يا رسول الله- قرينا من الجن مثل باقي البشر؟ قال: «وإياي» يعني: لي قرين من الجن كما لكل إنسان قرينه من الجن؛ وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم بشر، قال تعالى: {قل إنما أنا بشر مثلكم} [الكهف: 110]، «إلا أن الله أعانني» على ذلك القرين وعلى السلامة من شره ووساوسه، «فأسلم» -بفتح الميم- يعني: صار مسلما وآمن بدعوة النبي صلى الله عليه وسلم ورسالته، أو المعنى: استسلم وانقاد، وقد ضبط اللفظ (فأسلم) بضم الميم بصيغة المضارع، ومعناه: فأسلم أنا منه ومن مكره ووسوسته، وأحفظ وأجار من شره وفتنته بعصمة الله تعالى، فلا يأمرني إلا بخير
وفي رواية أخرى قال النبي صلى الله عليه وسلم: «وقد وكل به قرينه من الجن وقرينه من الملائكة»، فكما أنه قيض له شيطان يغويه ويضله ويأمره بالشر، كذلك قيض له ملك يسدده ويرشده، فيكون آمرا له بالخير وملهما له في قلبه بالخير
وفي الحديث: حرص الشيطان على إغواء بني آدم، وأنه لا ينفك عن الإغواء
وفيه: أن الله قيض للإنسان ملكا يعينه ويرشده، في مقابلة إغواء الشيطان وفتنته
وفيه: دليل على عصمة النبي صلى الله عليه وسلم من أن يؤثر فيه الشيطان بأذى في عقله أو قلبه بضروب الوساوس