مسند عبد الله بن العباس بن عبد المطلب، عن النبي صلى الله عليه وسلم 469
حدثنا أبو أحمد، حدثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس، قال: " كان الجن يسمعون الوحي فيستمعون الكلمة فيزيدون فيها عشرا، فيكون ما سمعوا حقا، وما زادوه باطلا، وكانت النجوم لا يرمى بها قبل ذلك، فلما بعث النبي صلى الله عليه وسلم كان أحدهم لا يأتي مقعده إلا رمي بشهاب يحرق ما أصاب، فشكوا ذلك إلى إبليس، فقال: ما هذا إلا من أمر قد حدث فبث جنوده، فإذا هم بالنبي صلى الله عليه وسلم، يصلي بين جبلي نخلة، فأتوه فأخبروه، فقال: هذا الحدث الذي حدث في الأرض "
كان الجن قبل مبعث الرسول صلى الله عليه وسلم يسترقون أخبار السماء، وهي ما يوحي به الله تعالى لملائكته، ثم يلقون ما سمعوا إلى الكهان من الإنس، فيضيفون على ما سمعوه مئة كذبة من عندهم، فيصدقهم الناس بكلمة الحق تلك
وفي هذا الحديث يقول ابن عباس: "كان الجن يصعدون"، أي: يرتقون إلى السماء "يستمعون الوحي"، وهو ما يوحي الله إلى ملائكته من تدبير الأمور، "فإذا سمعوا"، أي: الجن "الكلمة" من الوحي "زادوا فيها"، أي: أضافوا إلى ما سمعوه من الكلمة "تسعا"، أي: زادوا تسع كلمات، "فأما الكلمة" التي سمعوها "فتكون حقا" وصدقا، "وأما ما زادوه" أضافوه "فيكون باطلا"، أي: كذبا واختلاقا، "فلما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم"، أي: فلما أرسل الله رسوله صلى الله عليه وسلم وأنزل عليه الوحي "منعوا"، أي: حيل بينهم وبين "مقاعدهم" التي يستمعون منها الوحي، فكانت ترسل عليهم الشهب المحرقة، تحرق من أصابته منهم، "فذكروا ذلك"، أي: أمر منعهم لإبليس، "ولم تكن النجوم يرمى بها قبل ذلك"، أي: إن النجوم لم تكن يرجم بها قبل بعث النبي صلى الله عليه وسلم، بخلاف ما حدث بعد بعثته، فأصبحت الجن لا يتمكنون من الوصول إلى شيء من استراق السمع
وفي قوله: "ولم تكن النجوم يرمى بها قبل ذلك" إشكال؛ لأنه لم يزل القذف بالنجوم قديما وهو موجود في أشعار العرب القدماء من أهل الجاهلية، وأيضا ثبت في صحيح مسلم أن الشياطين كانت ترمى بالنجوم، والجواب: أن يحمل على أن النجوم كان يرمى بها في الجاهلية قليلا، ولكن بمجيء الإسلام غلظ وشدد، أو لم تكن يرمى بها قبل المبعث رميا يقطع الشياطين عن استراق السمع، ولكن كانت ترمى تارة ولا ترمى تارة، وترمى من جانب ولا ترمى من جميع الجوانب، وقد يشير إلى ذلك قوله تعالى: {ويقذفون من كل جانب * دحورا ولهم عذاب واصب} [الصافات: 8- 9]
فقال لهم إبليس: "ما هذا إلا من أمر قد حدث في الأرض، فبعث"، أي: أرسل إبليس جنوده، "فوجدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائما يصلي بين جبلين- أراه قال: بمكة-، فلقوه"، أي: التقى جنود إبليس به، "فأخبروه"، أي: قالوا لإبليس: إنهم رأوا "هذا الحدث الذي حدث في الأرض"، أي: مبعث النبي صلى الله عليه وسلم