مسند عبد الله بن العباس بن عبد المطلب، عن النبي صلى الله عليه وسلم 537

مسند عبد الله بن العباس بن عبد المطلب، عن النبي صلى الله عليه وسلم 537

حدثنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا سفيان، عن سلمة بن كهيل، عن كريب ، عن ابن عباس، قال: نمت عند خالتي ميمونة بنت الحارث " فقام النبي صلى الله عليه وسلم، من الليل فأتى الحاجة، ثم جاء فغسل وجهه ويديه، ثم نام، ثم قام من الليل، فأتى القربة فأطلق شناقها، فتوضأ وضوءا بين الوضوءين لم يكثر، وقد أبلغ، ثم قام يصلي، وتمطيت كراهية أن يراني كنت أبقيه - يعني أرقبه - ثم قمت ففعلت كما فعل، فقمت عن يساره، فأخذ بما يلي أذني حتى أدارني، فكنت عن يمينه، وهو يصلي، فتتامت صلاته إلى ثلاث عشرة ركعة، فيها ركعتا الفجر، ثم اضطجع فنام حتى نفخ، ثم جاء بلال فآذنه بالصلاة، فقام فصلى ولم يتوضأ " (1)

كان نبينا صلى الله عليه وسلم أحسن الناس عبادة لربه وقياما بين يديه سبحانه، وقد كان الصحابة رضي الله عنهم يحرصون على التعلم من النبي صلى الله عليه وسلم وأخذ سنته، والعمل بها وتبليغها لمن بعدهم، وكان عبد الله بن عباس رضي الله عنهما منذ صغره حريصا على ذلك
وفي هذا الحديث يروي ابن عباس رضي الله عنهما أنه بات عند خالته ميمونة بنت الحارث أم المؤمنين رضي الله عنها، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يبيت عندها في ليلتها، قال: «فبقيت كيف يصلي رسول الله صلى الله عليه وسلم»، أي: أراد أن يراقب كيف هي صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في الليل، فدخل النبي صلى الله عليه وسلم بيته بعد صلاة العشاء، فتحدث مع أهله وقتا من الزمن، ثم نام، كما في روايات الصحيحين، ثم قام صلى الله عليه وسلم فبال، ثم غسل وجهه وكفيه، ثم نام، ثم قام من نومه مرة أخرى، فتوجه إلى القربة -وهي وعاء مصنوع من الجلد المدبوغ المخيط لحفظ السوائل والماء- ففك رباطها، ثم صب منها الماء في الجفنة -أو القصعة- وهي وعاء واسع وكبير، فوضع الماء الذي في القربة على تلك الجفنة -أو القصعة-؛ ليكون أسهل عليه في الاستعمال، ثم توضأ وضوءا حسنا بين الوضوءين، أي: بين الخفيف والكامل، والأقرب أنه قلل استعمال الماء مع التثليث؛ لأنه وصفه بالحسن، فلا يكون أقل من الثلاث، وفي رواية الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم دخل بيته بعد صلاة العشاء فنام، ثم استيقظ فاستخدم السواك -وهو عود صغير من شجر الآراك- فنظف أسنانه وطيب فمه، ثم توضأ وهو يقرأ قول الله تعالى: {إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب * الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السموات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار * ربنا إنك من تدخل النار فقد أخزيته وما للظالمين من أنصار * ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي للإيمان أن آمنوا بربكم فآمنا ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار * ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك ولا تخزنا يوم القيامة إنك لا تخلف الميعاد} [آل عمران: 190 - 194]، وفي رواية في مسلم أنه قرأ إلى آخر السورة
ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم شرع في الصلاة، فجاء ابن عباس رضي الله عنهما ووقف بجوار النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن توضأ بمثل وضوء النبي صلى الله عليه وسلم، كما في الصحيحين، ثم إنه وقف على جهة اليسار من النبي صلى الله عليه وسلم، فأخذه النبي صلى الله عليه وسلم بيده وأداره من خلفه وأوقفه عن يمينه، وهذا بيان وتأكيد لموقف الإمام والمأموم في صلاة الاثنين جماعة ولو كانت نفلا
ثم أخبر ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى ثلاث عشرة ركعة قياما لليل، فكان يصلي ركعتين ركعتين، ثم يوتر بواحدة؛ ليكمل ثلاث عشرة ركعة
وعند مسلم: أنه صلى الله عليه وسلم «صلى ركعتين، فأطال فيهما القيام والركوع والسجود، ثم انصرف» لما انتهى من صلاة الركعتين، «فنام حتى نفخ»، أي: أخرج نفسا له صوت، وهذا كناية عن شدة الاستغراق في النوم، «ثم فعل ذلك ثلاث مرات»، أي: يقوم من نومه ويركع ركعتين وينام حتى صلى في ليلته «ست ركعات، كل ذلك يستاك ويتوضأ ويقرأ هؤلاء الآيات، ثم أوتر بثلاث»، أي: ثم أنهى صلاته بالوتر ثلاث ركعات. قيل: وهذه الرواية فيها مخالفة لباقي روايات الحديث نفسه في تخلل النوم بين الركعات، وتكرار الوضوء، وفي عدد الركعات؛ فإنه لم يذكر في باقي الروايات تخلل النوم، وذكر الركعات ثلاث عشرة، ويحتمل أنه لم يعد في هذه الصلاة الركعتين الأوليين الخفيفتين اللتين كان النبي صلى الله عليه وسلم يستفتح صلاة الليل بهما، كما صرحت الأحاديث بهما في صحيح مسلم وغيره؛ ولهذا قال: «صلى ركعتين، فأطال فيهما»؛ فدل على أنهما بعد الخفيفتين، فتكون الخفيفتان، ثم الطويلتان، ثم الست المذكورات، ثم الثلاث بعدها، كما ذكر، فصارت الجملة ثلاث عشرة ركعة
ثم بعد الصلاة نام النبي صلى الله عليه وسلم حتى سمع له صوت خارج مع نفسه، ثم جاءه مؤذنه بلال بن رباح رضي الله عنه ليعلمه ويؤذنه بصلاة الفجر، كما بينت روايات الصحيحين، ثم خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى صلاة الفجر، وقد بينت روايات الصحيحين أنه لم يجدد وضوءه بعد أن استيقظ، وهذا للنبي صلى الله عليه وسلم خاصة؛ لأنه تنام عيناه ولا ينام قلبه، فلا ينتقض وضوءه
ثم أخبر ابن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل يدعو ويقول في صلاته أو في سجوده، وفي رواية أخرى لمسلم أنه كان يدعو بهذا الدعاء وهو خارج إلى الصلاة، فكان يقول: «اللهم اجعل في قلبي نورا»، أي: ليضيئه ويمنحه القدرة على تمييز الحق من الباطل، ويحفظه من العقائد الفاسدة، ويبعده عن الحقد والحسد وما شابه، «وفي سمعي نورا» ليكون في سماع ما يحرض على طاعتك لا معصيتك، «وفي بصري نورا» يبتعد به عن كل ما أمر الله بغض البصر عنه. وفي رواية لمسلم: «وفي لساني نورا»، أي: يحرص به على ذكرك وقول الحق وكل ما يقوم به اللسان من أعمال الطاعات، «وعن يميني نورا، وعن شمالي نورا»، أي: في جانبي أو في جارحتي، «وأمامي نورا، وخلفي نورا، وفوقي نورا، وتحتي نورا، واجعل لي نورا»، أي: إجمالا لذلك التفصيل، أو قال: «واجعلني نورا» أراد به نورا عظيما جامعا للأنوار كلها التي ذكرها هنا والتي لم يذكرها، فيحيطه ويشمله بما يحفظه من الزلل، والمراد به: بيان الحق وضياؤه والهداية إليه، وأن يجعل في كل عضو من هذه الأعضاء، وفي كل جهة من هذه الجهات؛ نورا يهتدي به في اتباع الحق، والعمل به، ويهتدي به من أراد اتباعه صلى الله عليه وسلم على الحق، وحتى لا يكون للشيطان سبيل
قيل: إن النور الذي سأله النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي يحفظه في الدنيا من المعاصي ويقربه من عمل الطاعات، وقيل: بل هو نور يرزقه الله إياه يوم القيامة، وقيل: يحتمل الجمع بينهما، أي: أن يحصل بنور الدنيا على العلم والهداية، وبنور الآخرة على الإضاءة لظلمات يوم القيامة
وفي الحديث: ذكر بعض خصائصه صلى الله عليه وسلم
وفيه: حسن اللجوء إلى الله بالدعاء الخالص
وفيه: بيات الغلام عند إحدى محارمه في وجود زوجها
وفيه: الجماعة في صلاة النفل