مسند عبد الله بن العباس بن عبد المطلب ، عن النبي صلى الله عليه وسلم 76
حدثنا سفيان، عن سليمان بن أبي مسلم، خال ابن أبي نجيح، سمع سعيد بن جبير، يقول:
قال ابن عباس: يوم الخميس، وما يوم الخميس؟، ثم بكى حتى بل دمعه - وقال مرة: دموعه - الحصى، قلنا: يا أبا العباس: وما يوم الخميس؟ قال: اشتد برسول الله صلى الله عليه وسلم وجعه، فقال: " ائتوني أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده أبدا، فتنازعوا ولا ينبغي عند نبي تنازع " فقالوا: ما شأنه أهجر - قال سفيان: يعني هذى - استفهموه، فذهبوا يعيدون عليه، فقال: " دعوني فالذي أنا فيه خير مما تدعوني إليه "، وأمر بثلاث - وقال سفيان مرة: أوصى بثلاث - قال: " أخرجوا المشركين من جزيرة العرب، وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم " وسكت سعيد عن الثالثة، فلا أدري أسكت عنها عمدا - وقال مرة: أو نسيها - وقال سفيان مرة: وإما أن يكون تركها، أو نسيها
خصَّ اللهُ عزَّ وجلَّ جزيرةَ العرَبِ وميَّزها عن غيرِها مِن البلدانِ بأنْ حرَّم على الكفَّارِ أن يَستوطِنوها، وأمَرَ أنْ يُخرَجوا منها؛ سواءٌ كانوا يهودًا أو نَصارى أو غيرَهم مِن أصنافِ الكفَرةِ
وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ عبدُ اللهِ بنُ عبَّاسٍ رَضِي اللهُ عَنهما: "أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أوصَى بثَلاثةٍ"، أي: لَمَّا قارَبَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على الموتِ أَوْصَى بثلاثِ وصايا، أُولاها: إخراجُ المشركينَ مِنْ جَزيرةِ العربِ، ويَشْمَلُ ذلك أَهْلَ الكتابِ وغيرَهم، وسُمِّيتْ جَزيرةَ العَربِ لأنَّها كانت بأيديهم قبل الإسلام وبها أوطانُهم ومنازلُهم، واختَلف العلماءُ في المقصودِ بجَزيرةِ العَربِ تحديدًا- بعدَ اتِّفاقِهم جميعًا على مكَّةَ والمدينةِ-؛ فقِيل: الذي يُمنَعُ المشركون مِن سُكناه مِن أرضِ الجزيرةِ هو الحِجازُ خاصَّةً، وهذا التَّخصيصُ لأنَّ تَيماءَ الَّتي أُخرِج اليهودُ إليها كانَتْ مِن جَزيرةِ العربِ، لكنَّها ليسَت مِن الحِجازِ، ومنهم مَن أدْخَلَ اليمامةَ، ومِنهم مَن أدخلَ اليمنَ في هذا التَّخصيصِ. وقيل: المقصودُ بالجزيرةِ العربيَّةِ هو كلُّ أرض العربِ التي كانتْ تحت أيديهم، وفيها أوطانُهم منذ الجاهليَّة، وهي المنطقةُ التي يُحيطُ بها البحرُ الأحمرُ والمحيطُ الهنديُّ والخليجُ العربي، وتَنتهي شَمالَا إلى أطرافِ الشامِ والعراقِ، وهذا هو الراجح والله أعلم
ثانيتُها: قولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "وأجيزوا الوَفْدَ بنَحوٍ ممَّا كُنتُ أُجيزُهم"، أي: أَعْطوهم جائزتَهم وحقَّهم مِنَ الضِّيافةِ، وكانت جائزةُ الواحدِ على عَهْدِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وُقِيَّةً من فِضَّةٍ، وهي أربعون دِرْهمًا،
والوفدُ: هم مَنْ يَقصِدون الزُّعماءَ لشأنٍ مِنْ شؤونِ قومِهم
أمَّا الثَّالثةُ فلَمْ تُذْكَرْ، وقولُه: "وسَكتُّ عن الثَّالثةِ- أو قال: فأُنْسيتُها"، أي: لم يَذْكُرْها، أو نَسِيها ابنُ عبَّاسٍ
وقيل: إنَّ الثَّالثةَ هي تَجهيزُ أسامةَ، وقيل: يَحتمِلُ أنَّها قولُه صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "لا تَتَّخِذوا قَبري وثَنًا"