مسند عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما183
حدثنا هشيم، أخبرنا حجاج، حدثنا عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، أن العاص بن وائل نذر في الجاهلية أن ينحر مائة بدنة وأن هشام بن العاصي نحر حصته خمسين بدنة وأن عمرا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك؟ فقال: " أما أبوك، فلو كان أقر بالتوحيد، فصمت، وتصدقت عنه، نفعه ذلك "
الكُفَّارُ لا يَنتفعونَ في الآخِرةِ بأيِّ عَملٍ مِن أعمالِ القُرباتِ، لا منهم ولا مِن غيرِهم، مِصداقًا لقولِه تعالى: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا} [الفرقان: 23]؛ وذلك لأنَّهم مِن أهلِ النَّارِ الذين يُخلَّدون فيها أبدَ الآبادِ، ولا سبيلَ لهم إلى الجَنَّةِ، وفي هذا الحديثِ يَحكي عبدُ اللهِ بن عَمرٍو رضِيَ اللهُ عنهما: "أنَّ العَاصَ بنَ وائِلٍ" وكان كافِرًا، وَهُوَ وَالِدُ عَمْرِو بنِ العَاصِ رَضِيَ اللهُ عنه "أَوْصَى أن يُعتَقَ عنه مِائَةُ رَقَبةٍ"، أي: إن هُوَ مات أَنْفَذَ وَصِيَّتَه وَرَثَتُه مِن بَعدِه، والمُرادُ بِعِتْقِ الرَّقَبَةِ: تحريرُ عَبْدٍ أو جارِيَةٍ مِنَ الرِّقِّ، "فأعتَقَ ابنُه هِشَامٌ خَمْسِينَ رَقَبَةً"، أي: نِصفَ ما أوصَى به أبُوه، وهِشامٌ هذا كَانَ قد أَسْلَمَ سَنَةَ خَمْسٍ مِن الهِجْرَةِ، "فأرَادَ ابنُه عَمْرٌو أن يُعتِقَ عنه الخَمْسِينَ الباقِيَةَ، فَقَالَ: حَتَّى أَسْأَلَ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ علَيْهِ وسَلَّم"، أي: لَا أُعتِقُ الخمسينَ الباقيةَ حَتَّى أَعرِفَ مِن رَسُول الله صَلَّى اللهُ علَيْهِ وسَلَّم حُكمَ هذا العِتقِ، فأخبَرَه عَمْرٌو بوَصِيَّةِ أبِيه، وعِتْقِ أخِيه هِشَامٍ لِخَمسِينَ رَقَبةً، وَمَا يُرِيدُ أن يَفْعَلَ هو مِن إعتاقِ الخَمسِينَ الباقِيَةِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ علَيْهِ وسَلَّم: "إنَّهُ لو كَانَ مُسلِمًا فأَعْتَقْتُم عنهُ"، أي: مِنَ العَبِيدِ "أو تصدَّقتُم عَنهُ" أيًّا كَانَ نَوْعُ الصَّدَقَةِ "أو حَجَجْتُم عنه، بَلَغَه ذَلِكَ"، أي: بَلَغَهُ ثوابُ ما فَعَلْتُم مِنْ أَجْلِه وأُجِرَ على ذَلِكَ، وحيثُ إنَّهُ لم يَكُنْ مُسلِمًا فلَنْ يَبلُغَه مِن ثوابِ ذَلِكَ شَيْءٌ. وفِي هذا الحَدِيثِ: أنَّ المُسلِمَ يَصِلُه بَعْدَ موتِه ثوابُ أعمالِ الخيرِ الَّتِي تُوهَبُ لَهُ.
وفيه: أنَّه لَيسَ على المُسلِم إنفاذُ وَصِيَّةِ الكافِرِ.