‌‌مسند عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما203

‌‌مسند عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما203

حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث، حدثني أبي، حدثنا حبيب، عن عمرو، عن أبيه، عن عبد الله بن عمرو، أن أبا ثعلبة الخشني أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إن لي كلابا مكلبة، فأفتني في صيدها؟ فقال: " إن كانت لك كلاب مكلبة فكل مما أمسكت عليك "، فقال: يا رسول الله، ذكي (1) وغير ذكي؟ قال: " ذكي وغير ذكي "، قال: وإن أكل منه؟ قال: " وإن أكل منه "، قال: يا رسول الله أفتني في قوسي؟ قال: " كل ما أمسكت عليك قوسك "، قال: ذكي وغير ذكي؟ قال: " ذكي وغير ذكي "، قال: وإن تغيب عني؟ قال: " وإن تغيب عنك، ما لم يصل " - يعني يتغير - " أو تجد فيه أثر (1) غير سهمك "، قال: يا رسول الله، أفتنا في آنية المجوس إذا اضطررنا إليها؟ قال: " إذا اضطررتم إليها فاغسلوها بالماء، واطبخوا فيها " (2)

 عَرَفَ الإنسانُ الصَّيدَ مُنْذُ بَدْءِ الخليقةِ؛ حيثُ كان الصَّيدُ هو أَحَدَ وسائلِ حُصولِه على الطَّعامِ، ولَمَّا جاء الإسلامُ هَذَّبَ الصَّيدَ ووضَعَ له ضَوابِطَ وشروطًا.

وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ عبدُ اللهِ بنُ عمرٍو رَضِيَ اللهُ عنهُما: "أنَّ أعرابيًّا"، والأعرابُ هم البَدْوُ الَّذين يَسْكُنونَ في الصَّحراءِ، "يُقالُ له"، أي: اسْمُهُ: "أبو ثَعْلَبَةَ"، قال: "يا رسولَ اللهِ، إنَّ لي كِلابًا مُكلَّبَةً"، أي: مُعلَّمَةً مُدرَّبةً على الصَّيدِ، "فأَفْتِني في صيدِها"، أي: عن حُكْمِ صَيدِها؟ فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "إنْ كان لك كلابٌ مُكلَّبةٌ"، أي: مُعلَّمَةٌ ومُدرَّبةٌ على الصَّيدِ، "فكُلْ ممَّا أَمْسَكْنَ عليكَ"، أي: فانْتَفِعْ بما اصطادَتْ لكَ وكُلْهُ، قال: "ذَكيًّا أو غيرَ ذَكيٍّ؟"؛ مِن التَّذْكِيةِ، وهي الذَّبْحُ مع ذِكْرِ اسمِ اللهِ عزَّ وجلَّ. والمرادُ: وإنْ وجَدتُ ما اصطادتْه الكلابُ حيًّا فذَكيَّتُهُ أنا بالذَّبْحِ، أو وَجدتُه قد أماتَهُ الكَلْبُ؟ فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "نَعَمْ"، أي: كُلْهُ وإنْ وجدتَه ذكيًّا أو غيرَ ذَكيٍّ، قال أبو ثَعْلَبَةَ: "فإنْ أَكَلَ منه؟"، أي: فإنْ أَكَلَ الكَلْبُ مِن الصَّيدِ، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "وإنْ أَكَلَ منه"، أي: كُلْهُ وإنْ وَجَدْتَ كَلْبَكَ قد أَكَلَ مِن الصَّيدِ الذي اصْطادَه، قال أبو ثَعْلَبَةَ: "يا رسولَ اللهِ، أَفْتِني في قَوسِي"، أي: في حُكْمِ الصَّيدِ بالقوسِ؟ فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "كُلْ ما رَدَّتْ عليك قوسُكَ"، أي: انْتفِعْ بما اصْطَدتَ بقوسِكَ. قال أبو ثَعْلَبَةَ: "ذَكيَّا أو غيرَ ذَكيٍّ؟"، أي: إنْ أَدْركتُ الصَّيدَ حيًّا فذَكَّيتُه بالذَّبْحِ أو وجَدتُه قد مات من السَّهْمِ؟ قال أبو ثَعْلَبَةَ: "وإن تَغيَّبَ عَنِّي؟"، أي: وإنِ اخْتَفى عَنِّي فلَمْ أَرَه ثُمَّ وَجْدتُه، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "وإنْ تَغيَّبَ عَنْكَ"، أي: كُلْهُ وانْتفِعْ به وإنِ اختَفى عن عينِكَ، "ما لم يَصِلَّ"، أي: ما لم يَنْتُنْ ويَتغيَّرْ رِيحُه إلى العَفَنِ، "أو تَجِدْ فيه أثرًا غيرَ سَهْمِكَ"، أي: أو تَجِدْ في الصَّيدِ أثرًا غيرَ سَهْمِكَ؛ كأَثَرِ حيوانٍ مُفْتَرِسٍ مثلًا. قال أبو ثَعْلَبَةَ: "أَفْتِني في آنيةِ المجوسِ"، أي: في حُكْمِ اسْتِخدامِ أواني المجوسِ؟ والمجوسُ: هم عَبَدةُ النَّارِ، "إنِ اضْطُرِرْنا إليها"، أي: إنْ لم نَجِدْ غيرَها، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "اغْسِلْها"، أي: اغْسِلْ أوعيةَ وأوانيَ المجوسِ، "وكُلْ فيها"، أي: واسْتَعْمِلْها وانْتَفِعْ بها في الأكلِ والشُّربِ. 

وفي الحَديثِ: النَّهيُ عن أكلِ الصَّيدِ إذا أَنْتَنَ، وعن أكلِ صيدِ الكلابِ غيرِ المُدرَّبةِ.

وفيه: النَّهيُ عن أكلِ الصَّيدِ إذا وُجِدَ به أثَرٌ غيرُ أثَرِ الآلةِ التي صادَه بِها.