مسند عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما411
مسند احمد
حدثنا أبو نعيم، حدثنا الأعمش، عن عمرو بن مرة، قال: كنا جلوسا عند أبي عبيدة، فذكروا الرياء، فقال رجل يكنى بأبي يزيد: سمعت (2) عبد الله بن عمرو، يقول: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من سمع الناس بعمله سمع الله به سامع خلقه يوم القيامة، فحقره وصغره "
في هذا الحَديثِ يَقولُ عَمرُو بنُ مُرَّةَ: "حَدَّثني شيخٌ يُكْنى أبا يَزيدَ"، وهو خَيثمةُ بنُ عبدِ الرَّحمنِ، "قال: كنْتُ جالِسًا مع عبدِ اللهِ بنِ عمرٍو وعبدِ اللهِ بنِ عمَرَ، فقال عبدُ اللهِ بنُ عمَرَ: "إنَّ الشَّيطانَ يَجْري مِن ابنِ آدَمَ مَجْرى الدَّمِ والرُّوحِ"، أي: إنَّ الشَّيطانَ لا يَزالُ يُوسوِسُ لِلإنسانِ، وهو يَجري منه مَجرى الدَّمِ في العُروقِ، فَيُلقي في القُلوبِ وَساوِسَه وشُرورَه وكيْدَه، فكما يَجْري الدَّمُ في أعضاءِ الإنسانِ وليس له إحساسٌ بجَريانِه، فكذلك تَجْري وَساوِسُ الشَّيطانِ في أعضاءِ الإنسانِ، "فبكى عبدُ اللهِ بنُ عمْرٍو، وقال: سمِعْتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يقولُ: "مَن سَمَّعَ النَّاسَ بعمَلِه"، أي: مَن أعلَنَ أعمالَه وطاعاتِه للنَّاسِ، ويُرِيهِمْ أنَّهُ للهِ عابِدٌ، ولهُ طائِعٌ؛ إرادَةَ رِفْعَةٍ فيهم، "سَمَّعَ اللهُ به سامِعُ خلْقِه، وصغَّرَه وحقَّرَه"، أي: سمَّعَ اللهُ تعالى له بيْنَ النَّاسِ وفضَحَه، وهو سُبحانَه سامِعٌ لخلْقِه؛ وذلك لأنَّه عَزَّ وجَلَّ إنَّما أرادَ مِن عِبادِه إخْلاصَ العمَلِ له، وألَّا يُرِيدُوا بأعمالِهِم إلَّا اللهَ وحْدَه، وهذا الجزاءُ مِن جِنْسِ عَملِه؛ حيثُ يُظهِرُ اللهُ سَرِيرَتَه وفَسادَ نِيِّتِه أمامَ النَّاسِ في الدُّنيا أو في الآخِرةِ، وربَّما يكونُ المُرادُ: أنَّ اللهَ يُشَهِّرُ عمَلَه في الدُّنيا ويُعرِّفُه للنَّاسِ، ثُم يُؤاخِذُه عليه في الآخِرةِ، كما قال تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ} [الشورى: 20].
وفي الحَديث: التَّحذِيرُ مِن طلَبِ الرِّياءِ والسُّمْعَةِ في الأعمالِ، مع التَّوجِيهِ إلى إخْلاصِ النِّيَّةِ للهِ وحْدَه.