مسند عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه 154
مسند احمد
حدثنا عبد الرحمن، عن سفيان، عن منصور، عن ربعي، عن البراء بن ناجية، عن عبد الله، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «تدور رحى الإسلام بخمس وثلاثين، أو ست وثلاثين، أو سبع وثلاثين، فإن يهلكوا، فسبيل من قد هلك، وإن يقم لهم دينهم، يقم لهم سبعين عاما» . قال: قلت: أمما مضى أم مما بقي؟ قال: «مما بقي»
مِن علامات النُّبوَّةِ الظَّاهرةِ إخْبارُه صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم بما سيَقعُ في المستقْبلِ، وقد كَثُرَ هذا مِنه صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ؛ حيثُ حدَّثَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم عن أمورٍ كثيرةٍ وقعَتْ بعْد مَماتِه صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ
وفي هذا الحَديثِ: أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم قال: "تَدورُ رَحى الإسْلامِ" الرَّحى هي الحجَرُ الَّذي تُطحَنُ عليهِ الحُبوبُ لتَصيرَ دَقيقًا، والمقصودُ برَحى الإسْلامِ قوَّتُه وشدَّتُه ومُلْكُه، وقيل: الحرْبُ والقِتالُ، "لخمْسٍ وثلاثين"، أي: لخمْسٍ وثلاثين سنَةً، أو "سِتٍّ وثلاثين"، أي: سنةً، أو "سبعٍ وثلاثين"، أي: سنةً، والمقصودُ أنَّ قوَّةَ الإسْلامِ واستِقرارَه وقيامَ أمْرِه تَستمِرُّ مدَّةَ خمسٍ وثلاثين سنَةً أو ستٍّ وثلاثين سنَةً أو سبعٍ وثلاثين سنةً، وقيل: حُروبُ المسلِمين وقِتالُهم تستمِرُّ تلك المدَّةَ، "فإنْ يَهْلِكوا فسَبيلُ مَن هلَكَ"، أي: فإنْ يَهلَك المسلمون؛ بترْكِ الدِّينِ، والاختلافِ، والمعاصي، فهذا مِثلُ مَن هلَكوا قبْلهم بتَرْكِهم دينَهم واختلافِهم ومَعاصِيهم، وقيل: فإنْ يَهلِكوا بترْكِ القِتالِ والحرْبِ فمِثلُ مَن ضلَّ قبلَهم، "وإنْ يَقُم لهم دِينُهم يَقُمْ لهم سبعين عامًا"، أي: وإنْ لمْ يَهْلِكوا فبسببِ تمسُّكِهم بدِينِهم وطاعتِهم لربِّهم وعدَمِ التَّحريفِ والتَّبديلِ والتَّغييرِ، وسوف يَستقيمُ لهم أمْرُ دِينِهم سبعين عامًا، وقيل: فإنْ تمَسَّكوا بالقِتالِ والحرْبِ فسوْفَ يَستقيمُ لهم أمْرُ دِينِهم سبعين عامًا قال عبدُ اللهِ بنُ مسعودٍ: "قلتُ" للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم سائلًا: "أممَّا بَقيَ أو ممَّا مَضى؟"، أي: هل مدَّةُ السَّبعين عامًا بقيَّةٌ للخمْسِ وثلاثين سنةً أم مُستأنفَةٌ؟ "قال"، أي: النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم: "ممَّا مَضَى"، أي: بقيَّةٌ للخمسِ وثلاثين وتابعةٌ لها. وفيهِ: معجِزةٌ ظاهِرةٌ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم بإخْبارِه بغيْبيَّاتٍ وقعَتْ بعْد موْتِه
وفيهِ: أنَّ قِيامَ دَولةِ الإسلامُ يكون بالتَّمسُّكِ بالدِّينِ والبعْدِ عن أسبابِ هلَاكِ الأمَمِ السَّابقَةِ