مسند عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه 359

مسند احمد

مسند عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه 359

حدثنا كثير، حدثنا هشام، عن أبي الزبير، عن نافع بن جبير بن مطعم، عن أبي عبيدة بن عبد الله، عن عبد الله بن مسعود، قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحبسنا عن صلاة الظهر والعصر والمغرب والعشاء، فاشتد ذلك علي، ثم قلت: نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي سبيل الله، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالا فأقام الصلاة، فصلى بنا الظهر، ثم أقام، فصلى بنا العصر، ثم أقام، فصلى بنا المغرب، ثم أقام، فصلى بنا العشاء، ثم طاف علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال: «ما على الأرض عصابة يذكرون الله عز وجل غيركم»

فرَضَ اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ الصَّلاةَ وجَعل لها مَواقيتَ مَعلومةً، وحَذَّرَ من الذينَ يَسهونَ عن صَلاتِهم حتَّى يَخرُجَ الوقتُ، ولكِن إذا كان تَأخيرُ الصَّلاةِ عن وقتِها لعُذرٍ شَرعيٍّ فإنَّ ذلك يَجوزُ؛

ولهذا لمَّا كان الصَّحابةُ مَعَ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في غَزوةِ الخَندَقِ واشتَدَّ القِتالُ مَعَ المُشرِكينَ حتَّى حُبِسوا عن الصَّلاةِ في وقتِها، أي: مَنَعَهم المُشرِكونَ، فلم يُصَلُّوا صَلاةَ الظُّهرِ والعَصرِ والمَغرِبِ والعِشاءِ، فاهتَمَّ ابنُ مَسعودٍ لهذا الأمرِ؛ لكَونِهم أخَّروا الصَّلواتِ عن وقتِها، لكِنَّه استَدرَكَ ذلك بكَونِهم مَعَ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وهو أعلمُ بالأمرِ، وهو أشَدُّهم خَشيةً للَّهِ وتَقوى، وكَذلك كَونُ تَأخيرِهم الصَّلاةَ إنَّما هو بسَبَبِ انشِغالِهم بالجِهادِ في سَبيلِ اللهِ تعالى، ثمَّ إنَّ النَّبيَّ  صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بَعدَ ذلك أمَرَ بلالًا أن يُقيمَ الصَّلاةَ فصَلَّى الظُّهرَ ثمَّ أقامَ فصَلَّى العَصرَ ثمَّ أقامَ فصَلَّى المَغرِبَ ثمَّ أقامَ فصَلَّى العِشاءَ، ثمَّ دارَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على الصَّحابةِ الحاضِرينَ وبَشَّرَهم أنَّه ليس هناكَ عِصابةٌ -أي: جَماعةٌ يَذكُرونَ اللهَ- غَيرُهم، يَعني: الصَّلاةَ في ذلك الوقتِ، وإنَّما قال لهم ذلك تَبشيرًا وتَذكيرًا لهم بما أنعَمَ اللهُ به عليهم؛ حَيثُ خَصَّهم بذِكرِه تعالى دونَ غَيرِهم من النَّاسِ، وتهوينًا لِما لحِقَهم من المَشَقَّةِ بسَبَبِ فواتِ تلك الصَّلواتِ، وأنَّ الذي حَصَل لهم في فواتِها ليس بتَقصيرِهم، بل لكَونِهم مَشغولينَ بالجِهادِ في سَبيل اللهِ تعالى؛ فلا يَنبَغي أن تَنكَسِرَ قُلوبُهم لذلك
وفي الحَديثِ: أنَّ الصَّلواتِ الفائِتةَ تُقضى مُرَتَّبةً
وفيه: أنَّه يُشرَعُ أن يُقيمَ لكُلِّ صَلاةٍ
وفيه مَشروعيَّةُ الجَماعةِ في الفوائِتِ
وفيه أنَّ مَن أخَّرَ الصَّلاةَ لعُذرٍ شَرعيٍّ أنَّه يَقضيها بَعدَ زَوالِ العُذرِ مُباشَرةً
وفيه أنَّ الصَّلاةَ من ذِكرِ اللهِ تعالى