مسند عثمان بن عفان رضي الله عنه 63
حدثنا عبد الله، حدثني عباس بن محمد وأبو يحيى البزاز، قالا: حدثنا حجاج بن نصير، حدثنا شعبة، عن العوام بن مراجم، من بني قيس بن ثعلبة، عن أبي عثمان النهدي
عن عثمان، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن الجماء لتقص (2) من القرناء يوم القيامة " (3)
أمَرَ اللهُ تَعالى بأداءِ حُقوقِ الخَلقِ، فإنْ قَصَّرَ الخَلقُ في أدائِها ولم يُؤدُّوها إلى أهلِها في الدُّنيا، فإنَّهم سيُؤدُّونَها يَومَ القيامةِ.
وفي هذا الأثَرِ يَقولُ عَبدُ اللهِ بنُ عَمرِو بنِ العاصِ رَضيَ اللهُ عنهما:
"إذا كانَ"، أي: جاءَ ووقَعَ
"يَومُ القِيامةِ، مُدَّ الأديمُ"، أي: أديمُ الأرضِ، وهو وَجهُها وصَفحَتُها؛ فتَكونُ مُستَويةً، وتُزالُ جِبالُها، وتُصبِحُ بَيضاءَ عَفراءَ، وليس فيها عَلَمٌ ولا شَيءٌ يَستُرُ، ويُؤيِّدُه قَولُ اللهِ تَعالى:
{وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ * وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ} [الانشقاق: 3، 4]،
"وحُشِرَ الدَّوابُّ والبَهائِمُ والوَحشُ" وهي الحَيَواناتُ المُستأنَسةُ والضَّواري،
"ثم يَحصُلُ القِصاصُ بَينَ الدَّوابِّ" والقِصاصُ هو أخْذُ الحُقوقِ بتَمامِها مِنَ الظالِمِ لِلمَظلومِ، حتى إنَّه "يُقتَصُّ لِلشَّاةِ الجَمَّاءِ مِنَ الشَّاةِ القَرناءِ نَطَحتْها" والمَعنى: حتى إنَّه يُقتَصُّ لِلشَّاةِ التي ليس لها قَرنٌ، مِنَ الشَّاةِ القَرناءِ التي لها قَرنٌ، والغالِبُ أنَّ التي لها قَرنٌ إذا ناطَحتِ الجَلحاءَ التي ليس لها قَرنٌ تُؤذيها أكثَرَ، فإذا كان يَومُ القِيامةِ قَضَى اللهُ بَينَ هاتَيْنِ الشَّاتَيْنِ، واقتَصَّ لها، هذا وهي بَهائِمُ لا تَعقِلُ، ولا تَفهَمُ، لكِنَّ اللهَ عَزَّ وجَلَّ حَكَمٌ عَدلٌ. "فإذا فَرَغَ مِنَ القِصاصِ" وهو إتمامُ أخْذِ الحُقوقِ "بَينَ الدَّوابِّ، قال لها: كوني تُرابًا" فتَصيرُ تُرابًا، "قال: فعِندَ ذلك يَقولُ الكافِرُ: يا لَيتَني كُنتُ تُرابًا"؛ حتى لا يَتعرَّضَ لِلحِسابِ وأهوالِ القِيامةِ، فهو يَتمَنَّى أنْ يَصيرَ تُرابًا، ولن يَصيرَ تُرابًا. وهذا الحَديثُ يَدُلُّ على تَعظيمِ أمْرِ الحِسابِ والقِصاصِ، وأنَّه لا مَفَرَّ لِأحَدٍ مِن الخَلائقِ مِن أنْ يُحاسَبَ ويُجازَى، وأنَّه لا مَحيصَ له عن ذلك.
وفي الحَديثِ: دَليلٌ على أنَّ البهائِمَ تُحشَرُ يَومَ القِيامةِ، وهو كذلك، وتُحشَرُ الدَّوابُّ، وكُلُّ ما فيه رُوحٌ يُحشَرُ يَومَ القِيامةِ.
وفيه: أنَّ كُلَّ شَيءٍ مَكتوبٌ، حتى أعمالُ البَهائِمِ والحَشَراتِ مَكتوبةٌ في اللَّوحِ المَحفوظِ.
وفيه: تَنبيهٌ على أنَّ المَظلومَ يُقتَصُّ له مِن ظالِمِه يَومَ القيامةِ، ويُؤخَذُ له حَقُّه.
وفيه: الحَثُّ على أداءِ الحُقوقِ إلى أصحابِها.