‌‌مسند علي بن أبي طالب رضي الله عنه 110

‌‌مسند علي بن أبي طالب رضي الله عنه 110

حدثنا وكيع، حدثنا الأعمش، عن مسلم البطين، عن علي بن الحسين، عن مروان بن الحكم، قال: كنا نسير مع عثمان، فإذا رجل يلبي بهما جميعا، فقال: عثمان: من هذا؟ فقالوا: علي. فقال: ألم تعلم أني قد نهيت عن هذا؟ قال: " بلى، ولكن لم أكن لأدع قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لقولك " (1)

بيَّنَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أحكامَ الحجِّ والعُمرةِ، وفصَّلَها وعلَّمَها لأصحابِه في حَجَّةِ الوداعِ، وكان الصَّحابةُ رضِيَ اللهُ عنهم يَتناصحون فيما بينهم ويجتهِدون في تَطبيقِ الشَّرعِ فيما ورَدَ في القُرآنِ والسُّنَّةِ المُطهَّرةِ، كلٌّ فيما خوَّلَه اللهُ.


وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ مرْوانُ بنُ الحَكمِ يقولُ: "كنتُ جالسًا عند عُثمانَ"، أي: ابنِ عفَّانَ، وكان خليفةً للمُسلمين آنذاكَ، فسَمِعَ عُثمانُ عليَّ بنَ أبي طالبٍ، "يُلبِّي بعُمرةٍ وحجَّةٍ"، أي: يَرفَعُ صوتَه بالتَّلبيةِ والجمْعِ بين الحجِّ والعُمرةِ معًا قارنًا بينهما في نُسكٍ واحدٍ، فقال له عُثمانُ رضِيَ اللهُ عنه: "ألمْ نكُنْ نَنْهى عن هذا؟"، أي: أَنْهى النَّاسَ جميعًا عن الجَمعِ بينَ الحجِّ والعُمرةِ؛ فكيفَ أو لماذا تُخالِفُ أمْرَ الخليفةِ؟! وقد بيَّنَت رِوايةُ البُخاريِّ سبَبَ الخِلافِ، ولفظُها: "اختلَفَ عليٌّ وعُثمانُ رضِيَ اللهُ تعالى عنهما وهما بعُسفانَ في المُتعةِ"، وكان عُثمانُ بنُ عفَّانَ يمنَعُ من المُتْعةِ والقِرانِ بين الحجِّ والعُمرةِ؛ لتنظيمِ أُمورِ النَّاسِ، وحتَّى يُفرَدَ الحجُّ بالإكمالِ، فقال عليٌّ رضِيَ اللهُ عنه: "بلى"، أي: علِمْتُ أنَّك تَنهى عن الجمْعِ بينهما في نُسكٍ واحدٍ، "ولكنِّي سمِعْتُ رسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُلبِّي بهما جميعًا"، وكان ذلك في حَجَّةِ الوداعِ، وقد كان قارنًا بين الحجِّ والعُمرةِ في نُسكٍ واحدٍ، وكان معه هدْيُه، وكان إهلالُ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بهما جميعًا في نهاية الأمْرِ، وإلَّا فإنَّه بدَأَ بالحجِّ، ثمَّ أدخَلَ عليه العُمرةَ، فصار قارنًا، قال عليٌّ رضِيَ اللهُ عنه: "فلمْ أدَعْ قولَ رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لقولِك"، أي: لا أترُكُ سُنَّةَ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في القِرانِ بين الحجِّ والعُمرةِ من أجْلِ نهْيِك عنها، فأشار عليٌّ إلى أنَّه لا طاعةَ لأحدٍ فيما يُخالِفُ سُنَّةَ رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لمَن علِمَ بها.


ويُنبَّهُ هنا إلى أنَّ عُثمانَ رضِيَ اللهُ عنه لم يَخْفَ عليه أنَّ التَّمتُّعَ والقِرانَ جائزانِ، وإنَّما نَهَى عنهما؛ ليُعمَلَ بالأفضلِ، كما وقَعَ لعمرَ بنِ الخطَّابِ رضي اللَّه تعالى عنهما، لكنْ خشِيَ عليٌّ رضِيَ اللهُ عنه أنْ يَحمِلَ غيرُه النَّهيَ على التَّحريمِ، فأشاع جوازَ ذلك، وكلٌّ منهما مُجتهِدٌ مأجورٌ بإذنِ اللهِ تعالى.


وفي الحديثِ: إشاعةُ العالِمِ ما عندَه من العلْمِ وإظهارُه للنَّاسِ.
وفيه: مَشروعيَّةُ مُناظرةِ وُلاةِ الأُمورِ وغيرِهم في تَحقيقِ العلْمِ لِمَن قوِيَ على ذلك؛ لقصْدِ مُناصحةِ المُسلِمينَ، واتِّباعِ السُّنَّةِ.
وفيه: بَيانُ الحُكْمِ بالفِعلِ مع القولِ؛ ليكونَ أبلَغَ.