مسند علي بن أبي طالب رضي الله عنه 92
حدثنا يعقوب، حدثنا أبي، عن ابن إسحاق، حدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير، عن أبيه، عن عبد الله بن الزبير، قال: والله إنا لمع عثمان بن عفان بالجحفة، ومعه رهط من أهل الشام فيهم حبيب بن مسلمة الفهري، إذ قال عثمان - وذكر له التمتع بالعمرة إلى الحج -: إن أتم للحج والعمرة أن لا يكونا في أشهر الحج، فلو أخرتم هذه العمرة حتى تزوروا هذا البيت زورتين كان أفضل، فإن الله تعالى قد وسع في الخير، وعلي بن أبي طالب ببطن (1) الوادي يعلف بعيرا له، قال: فبلغه الذي قال عثمان، فأقبل حتى وقف على عثمان، فقال: " أعمدت إلى سنة سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورخصة رخص الله تعالى بها للعباد في كتابه، تضيق عليهم فيها، وتنهى عنها، وقد كانت لذي الحاجة ولنائي الدار، ثم أهل بحجة وعمرة معا " فأقبل عثمان على الناس فقال: " وهل نهيت عنها؟ إني لم أنه عنها، إنما كان رأيا أشرت به، فمن شاء أخذ به ومن شاء تركه " (2)
علَّمَنا النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ الحجَّ والعُمرةَ، وأركانَهما، وسُننَهما، وآدابَهما، كما أعلَمَنا بالمواقيتِ الزَّمانيَّةِ والمكانيَّةِ لهما، وما يُباحُ فيهما وما يحرُمُ.
وفي هذا الحديثِ يَحكي التَّابعيُّ سالمُ بنُ عبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ:
"أنَّه سَمِعَ رجُلًا مِن أهلِ الشامِ، وهو يَسأَلُ عبدَ اللهِ بنَ عُمَرَ عن التَّمتُّعِ بالعُمرةِ إلى الحَجِّ" والتَّمتُّعُ في الحجِّ هو: أنْ ينوِيَ الحاجُّ عُمرةً مع حجَّتِه، فإذا قدِمَ مكَّةَ واعتمَرَ وانتهى مِن عُمرتِه، فله أنْ يتحلَّلَ مِن إحرامِه ويتمتَّعَ بكلِّ ما هو حَلالٌ، حتَّى تبدَأَ مناسِكُ الحجِّ، "فقال عبدُ اللهِ بنُ عُمَرَ: هي حَلالٌ" أي: يَجوزُ التَّمتُّعُ بالعُمرةِ إلى الحَجِّ،
"فقال الشاميُّ: إنَّ أباك" وهو عُمَرُ بنُ الخطابِ رضِيَ اللهُ عنه
"قد نَهى عنها"، أي: في خِلافَتِه، "قال عبدُ اللهِ: أرأيْتَ إنْ كان أبي نَهى عنها، وصَنَعَها رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وعلى آلِه وسلَّم"، أي: أمر بها النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ
"أمرُ أبي نَتَّبِعُ أمْ أمْرُ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وعلى آلِه وسلَّم؟"، أي: فأيُّ الأمريْنِ أوْلى بالاتِّباعِ؟ أمْرُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أمْ أمْرُ عُمَرَ لَمَّا كان خَليفةً للمسلِمينَ؟
"فقال الرَّجُلُ: بلْ أمْرُ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وعلى آلِه وسلَّم، فقال: لقدْ صَنَعَها رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وعلى آلِه وسلَّم" وكان سبَبُ منعِ عُمَرَ للتمتُّعِ ما ذَكَرَه مُسلِمٌ وابنُ ماجَهْ، أنَّ أبا موسى الأشعريَّ سَأَلَ عُمَرَ عن ذلك مع عِلمِه بأنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قد فَعَلَها،
فقال عُمَرُ بنُ الخطَّابِ رضِيَ اللهُ عنه: "قد علِمْتَ أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَعَلَه وأصحابُه"، أي: يعلَمُ أنَّ التَّمتُّعَ بالعُمرةِ إلى الحجِّ هو مِن فِعلِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وأصحابِه مِن بعدِه، "ولكنِّي كَرِهْتُ أنْ يظلُّوا بِهنَّ مُعرِّسينَ تحتَ الأراكِ"، أي: كَرِهَ عُمَرُ للمُتمتِّعِ مُخالطتَه للنِّساءِ إلى أنْ يدخُلَ وقتُ الحجِّ؛ لأنَّه يَقْتضي التَّحلُّلَ، ووطءَ النِّساءِ إلى حين الخُروجِ إلى عَرفاتٍ، والأراكُ: نوعٌ مِن الشَّجرِ يُسْتَظَلُّ به، ويُسْتَخْرَجُ منه المِسواكُ،
"ثمَّ يَرُوحونَ بالحجِّ تقطُرُ رُؤوسُهم"، أي: مِن مياهِ الاغتسالِ مِن الجِماعِ القريبِ.
وفي الحديثِ: الحثُّ على اتِّباعِ سُنَّةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وتقديمِها على غيرِها مِن الآراءِ والمذاهِبِ إن ثَبَتَتْ .