‌‌مسند عمر بن الخطاب رضي الله عنه 140

‌‌مسند عمر بن الخطاب رضي الله عنه 140

حدثنا يحيى بن آدم، حدثنا سفيان، عن عبد الرحمن بن عياش، عن حكيم بن حكيم، عن أبي أمامة بن سهل، قال:
كتب عمر إلى أبي عبيدة بن الجراح: أن علموا غلمانكم العوم، ومقاتلتكم الرمي. فكانوا يختلفون إلى الأغراض، فجاء سهم غرب إلى غلام فقتله، فلم يوجد له أصل، وكان في حجر خال له، فكتب فيه أبو عبيدة إلى عمر [[إلى من أدفع عقله؟]] (*) ، فكتب إليه عمر: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: "الله ورسوله مولى من لا مولى له، والخال وارث من لا وارث له" (1)

كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حَريصًا على مَصالِحِ المُسلِمينَ في حَياتِهم، وكذلك كان حَريصًا على نَجاتِهم بعْدَ مَماتِهم، فبيَّن أحْكامَ الميراثِ، وكيف يُقسَمُ، ومَن يَرِثُ، وبيَّن أحْكامَ الدُّيونِ وكيف تُقْضى، ولمَّا فَتَح اللهُ تعالَى على المُسلِمينَ الفُتوحَ وكَثُر المالُ، كان صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَقْضي دَينَ مَن مات.


وفي هذ الحَديثِ يُقرِّرُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّ مَن مات مِن المُسلِمينَ، وترَك مالًا، فهو لوَرَثَتِه يَرِثونَه مِن بعْدِه على وَفْقِ أحْكامِ الميراثِ الَّتي أمَرَ اللهُ عزَّ وجلَّ بها في كِتابِه، وأمَّا مَن مات مِن المُسلِمينَ، وترَك دُيونًا عليه، أو أولادًا صِغارًا بلا مالٍ، فأمْرُ ذلك إليه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فهو صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَقْضي عنه ذلك الدَّينَ، ويَرْعى مَن يَعولُ، وهذا مِن حُسنِ أخْلاقِ النَّبيِّصلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ومُؤازَرتِه للمُسلِمينَ، وحِرصِه على عدَمِ ضَياعِهم؛ وذلك أنَّه لمَّا فتَح اللهُ تعالَى على المُسلِمينَ الفُتوحَ، وكَثُر المالُ، كان صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَقْضي دَينَ مَن مات، ويَرْعى أهلَه وأوْلادَه مِن بعدِه.


ثمَّ بيَّن النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّه وَليٌّ مَسؤولٌ عمَّن لا وَليَّ له، يَرْعاه فيَقومُ هو صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ برِعايتِه وهِدايتِه، وقيلَ: مَعْنى الوِلايةِ النُّصْرةُ والتَّوْليةُ؛ فهو صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَتَولَّى أُمُورَهم بعْدَ وَفَاتِهم، ويَنصُرُهم فوْقَ ما كان منهمْ لو عَاشوا؛ فهو أوْلى في كلِّ شَيءٍ مِن أُمورِ الدِّينِ والدُّنيا؛ فيُؤَدِّي عنه ما يَتعلَّقُ بذِمَّتِه، ويَقْضي دُيونَه، وما يَلزَمُه، ويَتعلَّقُ به بسَببِ الجِناياتِ الَّتي سَبيلُها أنْ تَحمِلَها العاقِلةُ، وقولُه: «وأرِثُ مالَه» ليس المُرادُ به هنا حَقيقةَ الميراثِ، وإنَّما أرادَ أنَّ الأمْرَ فيه إليه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في التَّصدُّقِ به، أو صَرْفِه في مَصالحِ المُسلِمينَ، أو تَمليكِ غَيرِه؛ ولذلك قال: «وأفُكُّ عنه».
ثمَّ قَضى النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّ «الخالَ وَليُّ مَن لا وَليَ له»؛ وذلك إذا لم يُوجَدْ وَريثٌ للمَيِّتِ، ويُوجَدُ له خالٌ، فيَأخُذُ الخالُ مِيراثَه، ويقومُ على أداءِ ما عليه مِن الحُقوقِ.