هل تدخل الأرضون في المال إذا نذر
سنن النسائي
قال: الحارث بن مسكين، قراءة عليه وأنا أسمع، عن ابن القاسم، قال: حدثني مالك، عن ثور بن زيد، عن أبي الغيث، مولى ابن مطيع، عن أبي هريرة، قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام خيبر فلم نغنم إلا الأموال والمتاع والثياب، فأهدى رجل من بني الضبيب، يقال له: رفاعة بن زيد لرسول الله صلى الله عليه وسلم غلاما أسود يقال له: مدعم، فوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى وادي القرى حتى إذا كنا بوادي القرى، بينا مدعم يحط رحل رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءه سهم فأصابه فقتله، فقال الناس: هنيئا لك الجنة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كلا والذي نفسي بيده، إن الشملة التي أخذها يوم خيبر من المغانم لتشتعل عليه نارا» فلما سمع الناس بذلك جاء رجل بشراك، أو بشراكين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «شراك، أو شراكان من نار»
الغُلولُ مِن الغَنائمِ قبْلَ أنْ تُقسَّمَ كَبيرةٌ مِن الكبائرِ، وهي حَقٌّ مُشْترَكٌ بيْنَ المُسلِمينَ، وقد بيَّنَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عُقوبةَ مَن يَفعَلُ ذلك
وفي هذا الحَديثِ يَقولُ أبو هُرَيْرةَ رَضيَ اللهُ عنه: «افْتَتَحْنا خَيْبرَ»، أيِ: افتَتَحَ المُسلِمونَ خَيْبرَ؛ لأنَّ أبا هُرَيْرةَ رَضيَ اللهُ عنه لم يَحضُرْ فَتْحَ خَيْبرَ، وإنَّما حضَرَها بعْدَ أنْ فُتِحَت، وشَهِدَ قَسْمَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ غَنائمَ خَيْبرَ هو وجَعفَرُ بنُ أبي طالِبٍ رَضيَ اللهُ عنه، وجَماعةٌ مِن مُهاجِرةِ الحَبَشةِ. وخَيْبرُ قَرْيةٌ كانت يَسكُنُها اليَهودُ، وكانت ذاتَ حُصونٍ ومَزارِعَ، وتَبعُدُ نحوَ 173 كيلو تَقْريبًا مِن المَدينةِ إلى جِهةِ الشَّامِ، وقدْ غَزاها النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ والمسلمون، وفتَحَها اللهُ لهم في السَّنةِ السَّابعةِ مِن الهِجْرةِ
وذكَرَ أبو هُرَيْرةَ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ المُسلِمينَ لم يَغنَموا مِن خَيْبرَ ذَهبًا أو فِضَّةً، وإنَّما غَنِموا البَقَرَ والإبِلَ والمَتاعَ، «والحَوائطَ»، جمْعُ حائطٍ، وهو البُسْتانُ مِن النَّخلِ
وبعْدَ أنْ أتمَّ اللهُ عليهم فَتْحَ خَيْبرَ انْصَرَفوا معَ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ راجِعينَ إلى المَدينةِ، حتَّى إذا كانوا في وادي القُرى -وهو مَوضِعٌ بقُربِ المَدينةِ- وكان معَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عَبدٌ له، اسمُه: مِدْعَمٌ، وكان أهْداهُ له أحَدُ بَني الضِّبابِ، وهو رِفاعةُ بنُ زَيدِ بنِ وَهبٍ الجُذاميُّ، قدِمَ على رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في هُدْنةِ الحُدَيْبيَةِ قبْلَ خَيْبرَ في جَماعةٍ مِن قَومِه، فأسْلَموا، وأهْدى لرَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ هذا العبدَ، فبيْنَما يضَعُ العبْدُ رَحْلَ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عن ظَهرِ دَابَّةٍ لرَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؛ جاءَهُ سَهمٌ عائِرٌ، أي: لا يُدْرى مَن رَمَى به، وقيلَ: هو السَّهمُ الحائِدُ عن قَصدِه، حتَّى أصابَ ذلك العَبدَ، فقال النَّاسُ: هَنيئًا له الشَّهادةُ، يَقصِدونَ: هَنيئًا لمِدْعَمٍ الجَنَّةُ؛ لأنَّهُ مات في خِدْمةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وهو في سَبيلِ اللهِ، فردَّ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كَلامَهم، وقال: «والَّذي نَفْسي بيَدِه» وهو قَسَمٌ كان صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُقسِمُ به كَثيرًا، ومَعْناه: واللهِ الَّذي نَفْسي مِلكٌ له يُصرِّفُها حيث يَشاءُ، «إنَّ الشَّمْلةَ» -وهي: كِساءٌ يُشتمَلُ به، والاشتمالُ إدارةُ الثَّوبِ على الجسَدِ كلِّه- «الَّتي أصابَها يَومَ خَيْبرَ منَ المَغانِمِ لم تُصِبْها المَقاسِمُ»، أي: أنَّه أخَذَها قبْلَ القِسْمةِ، فكانَ غُلولًا؛ لأنَّها كانت مُشتَرَكةً بيْنَ الغانِمينَ، «لَتَشتَعِلُ عليه نارًا»؛ وذلك إمَّا أنَّها تَشتَعِلُ بنَفْسِها عليه نارًا؛ تَعْذيبًا له، أو أنَّها سَببٌ لعَذابِه في النَّارِ، فجاء رَجلٌ حينَ سَمِعَ ذلك الوَعيدَ الشَّديدَ مِن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بشِراكٍ أو بشِراكَيْنِ، أي: سَيرٍ أو سَيرَيْنِ يَكونانِ على ظَهرِ القَدمِ عندَ لُبسِ النَّعلِ، وبيَّنَ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّه قد أصابَ هذا مِنَ الغَنائمِ قبْلَ القِسمةِ، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «شِراكٌ -أو شِراكانِ- مِن نارٍ»، وفي هذا تَنْبيهٌ على المُعاقَبةِ بهما
وفي الحَديثِ: غِلَظُ تَحْريمِ الغُلولِ، وأنَّهُ لا فَرْقَ بيْن قَليلِه وكَثيرِه في التَّحْريمِ
وفيه: أنَّ الغُلولَ يَمنَعُ مِن إطْلاقِ اسمِ الشَّهادةِ على مَن غَلَّ
وفيه: تَهْديدٌ عَظيمٌ، ووَعيدٌ جَسيمٌ في حَقِّ مَن يَأكُلُ منَ المالِ الَّذي يَتعلَّقُ به حَقُّ جَمعٍ مِن المُسلِمينَ، كمَالِ الأوْقافِ، ومالِ بَيتِ المالِ
وفيه: علَمٌ مِن أعْلامِ النُّبوَّةِ، ومُعجِزةٌ ظاهِرةٌ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، حيث يُطلِعُه اللهُ سُبحانَه وتعالَى على المُغَيَّباتِ، من أحْوالِ المَوْتى، فيَرى المُعَذَّبينَ، ونَوعَ عَذابِهم، وسَببَه، فيُخبِرُ بذلك أصْحابَه؛ تَحْذيرًا لهم، ولأُمَّتِه جَميعًا عنِ التَّعرُّضِ لأسْبابِ العَذابِ