إشارة الحاكم على الخصم بالصلح
سنن النسائي
أخبرنا الربيع بن سليمان، قال: حدثنا شعيب بن الليث، عن أبيه، عن جعفر بن ربيعة، عن عبد الرحمن الأعرج، عن عبد الله بن كعب بن مالك الأنصاري، عن كعب بن مالك، أنه كان له على عبد الله بن أبي حدرد الأسلمي - يعني دينا - فلقيه، فلزمه، فتكلما حتى ارتفعت الأصوات، فمر بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «يا كعب» فأشار بيده كأنه يقول: النصف، فأخذ نصفا مما عليه، وترك نصفا
أمَرَتِ الشَّرِيعةُ المَدِينَ بحُسنِ قَضاءِ دَينِه والالتزامِ به، وأمَرَتِ الدَّائنَ أيضًا بالرِّفْقِ بالمَدِينِ
وفي هذا الحديث يَرْوي كَعْبُ بنُ مَالِكٍ رَضيَ اللهُ عنه أنَّه كان له دَينٌ عندَ عبْدِ اللهِ بنِ أبِي حَدْرَدٍ، فطَلَب منه سَدَادَه، وكان ذلك في مَسجدِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فارْتَفَعَتْ أصواتُهما في النِّقاشِ، فسَمِعَهما النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وهُوَ في حُجرتِه، فخَرَج إليهما حتَّى كَشَف سِجْفَ حُجْرَتِه، وهو السِّتْرُ الذي عليها، فنَادَى النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كَعْبَ بنَ مَالِكٍ، فرَدَّ كَعْبٌ رَضيَ اللهُ عنه: لَبَّيْكَ يا رسولَ اللهِ، أي: أنَّه مُجيبٌ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لِما يَأمُرُ، فأَشَارَ له النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بيَدِه أنْ يَحُطَّ نِصْفَ الدَّيْنِ عن ابنِ أبِي حَدْرَدٍ، فامْتَثَل كَعْبٌ رَضيَ اللهُ عنه لِمَا أشار به النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وحَطَّ نِصْفَ دَيْنِه عنه، وهذا لم يكُنْ حكْمًا مِن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لكعْبٍ بتَرْكِ نِصفِ حقِّه، بلْ أمْرُه على سَبيلِ البِرِّ والمساهَلةِ. فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لابْنِ أبِي حَدْرَدٍ، «قُمْ فَاقْضِه»، أي: فسَدِّد ما عليك له مِن دَينٍ بعْدَ أنْ تَرَكَ لكَ نِصْفَه
وفي الحديثِ: فَضِيلةُ الصُّلحِ، وحُسْنُ التَّوسُّطِ بيْن المتخاصِمَيْن
وفيه: تَقَاضِي الدُّيُونِ وسائرُ الحقوقِ المالِيَّة في المسجدِ، وقَضاؤُها فيه
وفيه: مَشروعيَّةُ سُؤالِ المديونِ الدَّائنَ الحطَّ مِن صاحبِ الدَّينِ
وفيه: الشَّفاعةُ إلى أصحابِ الحُقوقِ، وقَبولُ الشَّفاعةِ في الخيرِ
وفيه: مَشروعيَّةُ تَدخُّلِ الحاكمِ للصُّلحِ بيْن النَّاسِ