البعث 4
سنن النسائي
أخبرنا عمرو بن علي، قال: حدثنا يحيى، قال: حدثنا أبو يونس القشيري، قال: حدثني ابن أبي مليكة، عن القاسم بن محمد، عن عائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إنكم تحشرون حفاة عراة»، قلت: الرجال والنساء ينظر بعضهم إلى بعض؟ قال: «إن الأمر أشد من أن يهمهم ذلك»
يومُ القيامةِ يومٌ عظيمٌ وشديدٌ، فيه يقومُ النَّاسُ بين يَديِ ربِّ العالَمينَ للحِسابِ، وقد وَصفَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بعضَ ما في هذا اليومِ
كما في هذا الحديثِ، وفيه تُخبِرُ عائشةُ رضي اللهُ عنها أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: "يُبعَثُ النَّاسُ"، وفي رِوايةِ الصَّحيحَينِ: "يُحشَرُ النَّاسُ"، "يومَ القِيامةِ"، أي: يُجمَعون بعدَ البعثِ من الموتِ ويَقومونَ للحِسابِ في هذا اليومِ، "حُفاةً"، أي: يُجمَعون وهُم حُفاةُ الأقدامِ بلا أَحذيةٍ ولا نِعالٍ، "عُراةً"، أي: عُراةَ الأجسادِ بلا ثِيابٍ ولا سُتورٍ، "غُرلًا"، أي: غيرَ مَختونين، قد ذَهب عنهُم كلُّ ما كانوا فيه في الدُّنيا وعادوا كما خَلقَهم اللهُ، كما قال تَعالى: {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ} [الأنبياء: 104]، فقالتْ عائشةُ رضي اللهُ عنها: "فكيفَ بالعوراتِ?!"، أي: وهذا استِفهامٌ واستغرابٌ من أن يُجمَعَ النَّاسُ عُراةً وعوراتُهم ظاهرةٌ أمامَ بعضِهم رجالًا ونساءً، فهل يَنظُرون إلى بعضِهم البعضَ؟ فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "{لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ} [عبس: 37]"، وفي روايةِ الصَّحيحيْن: "يا عائشةُ الأمرُ أشدُّ من أن ينظُرَ بعضُهم إلى بعضٍ"، أي: إنَّ شأنَ الموقفِ والحَشرِ بعدَ البَعثِ من الموتِ فيه منَ الأهوالِ ما يَأخذُ اهتِمامَ النَّاسِ وأبصارَهُم عن النَّظرِ إلى العَوراتِ، كما قال اللهُ تَعالى: {يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللهِ شَدِيدٌ} [الحج: 2]
وفي الحديثِ: إثباتُ البَعثِ بعدَ الموتِ والحَشرِ للخَلْقِ يومَ القِيامةِ
وفيه: حَثُّ الإنسانِ على العَملِ بما يُنجِّيه يومَ القِيامةِ
وفيه: بيانُ شدَّةِ هولِ يَومِ القيامةِ بما يُذهِلُ النَّاسَ