الحكم فيمن سب النبي صلى الله عليه وسلم 1

سنن النسائي

الحكم فيمن سب النبي صلى الله عليه وسلم 1

أخبرنا عثمان بن عبد الله قال: حدثنا عباد بن موسى قال: حدثنا إسماعيل بن جعفر قال: حدثني إسرائيل، عن عثمان الشحام قال: كنت أقود رجلا أعمى فانتهيت إلى عكرمة، فأنشأ يحدثنا قال: حدثني ابن عباس، أن أعمى كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت له أم ولد، وكان له منها ابنان، وكانت تكثر الوقيعة برسول الله صلى الله عليه وسلم وتسبه، فيزجرها فلا تنزجر، وينهاها فلا تنتهي، فلما كان ذات ليلة ذكرت النبي صلى الله عليه وسلم فوقعت فيه، فلم أصبر أن قمت إلى المغول، فوضعته في بطنها، فاتكأت عليه فقتلتها، فأصبحت قتيلا، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فجمع الناس وقال: «أنشد الله رجلا لي عليه حق، فعل ما فعل إلا قام» فأقبل الأعمى يتدلدل فقال: يا رسول الله، أنا صاحبها كانت أم ولدي، وكانت بي لطيفة رفيقة، ولي منها ابنان مثل اللؤلؤتين، ولكنها كانت تكثر الوقيعة فيك وتشتمك، فأنهاها فلا تنتهي، وأزجرها فلا تنزجر، فلما كانت البارحة ذكرتك فوقعت فيك، فقمت إلى المغول فوضعته في بطنها، فاتكأت عليها حتى قتلتها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا اشهدوا أن دمها هدر»

كان الصَّحابةُ يحِبُّون النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم محبَّةً شديدَةً، وكانوا يَفدونَه بأنفسِهِم وبآبائِهِم وأمَّهاتِهم، ويَبذُلونَ في سبيلِ محبَّتِه صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم الغالِيَ والرَّخيصَ
وفي هذا الحَديثِ يَحكي ابنُ عبَّاسٍ رضِيَ اللهُ عنهما: "أنَّ أعْمَى"، أي: رجلًا أعْمى فاقِدًا للبصَرِ، "كانت له أُمُّ ولَدٍ"؛ وهي الأَمَةُ الممْلوكَةُ الَّتي ولَدَتْ له فصارَتْ يُقالُ لها: أُمُّ ولَدٍ، يَعني: تَبقى أَمَةً حتَّى يَموتَ زوجُها وتُعتَقُ بموْتِه، وكانت هذه المرأَةُ "تشْتُمُ"، أي: تسُبُّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم "وتقَعُ فيهِ"، أي: تَعِيبُه وتذَمُّه، "فيَنهاها"، أي: الرَّجلُ عن ذلك، "فلا تنْتَهي"، أي: لا تَستَجيبُ لأمْرِه، "ويزْجُرُها"، أي: يَمْنعُها بقوَّةٍ، "فلا تنْزجِرُ"، أي: فلا تمتَنِعُ
قال: "فلمَّا كانت ذاتَ ليلَةٍ"، أي: فلمَّا كانت هذه المرأَةُ في ليلةٍ من اللَّيالي، "جعَلَتْ تقَعُ"، أي: تذُمُّ وتَعيبُ في النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم "وتشْتُمُه"، أي: وتسُبُّه، أخَذَ الرَّجلُ "المِغْوَلَ"؛ وهو حديدَةٌ كالسَّيفِ الصَّغيرِ، "فوضَعَه"، أي: هذا المغْوَلَ رَكَزَه "في بطْنِها واتَّكَأَ عليها"، أي: ضغَطَ عليها بالسَّيْفِ فقتَلَها، "فوقَعَ بين رِجلَيها طفْلٌ"، أي: لعلَّه كان ولدًا لها، ولكنَّه لم يمُتْ أو أنَّه لمَّا رأى الطِّفلُ أمَّهُ وقَعَ عند رِجلَيها "فلَطخَتْ"، أي: لوَّثَتْ "ما هناك"، أي: منَ الفِراشِ "بالدَّمِ، فلمَّا أصْبحَ ذُكِر ذلك لرَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، فجمَعَ النَّاسَ"، أي: النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، فقال صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم: "أنْشُدُ اللهَ رجلًا"، أي: أُقسِمُ عليهِ "فعَلَ ما فعَلَ"، أي: فعَل الَّذي فعَلَه بالأمْسِ مِن قتْلِ المرْأَةِ "لي عليهِ حقٌّ"، أي: يجِبُ عليه طاعَتي، "إلَّا قامَ"، أي: يَقومُ ويعْترِفُ أنَّه القاتِلُ، "فقام الأعْمى يتخَطَّى النَّاسَ"، أي: يَخْطو، ويَمشي بين النَّاسِ، "وهو يتزلْزَلُ"، أي: يَتحرَّكُ وهو مضْطرِبٌ "حتَّى قعَدَ" الرَّجلُ "بين يدَيِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ"، أي: أمامَه، فقال الرَّجلُ: "يا رسولَ اللهِ، أنا صاحِبُها"، أي: تلك المرأةِ المقتولَةِ، "كانت"، أي: هذه المرأةُ "تشْتُمُكَ وتقَعُ فيكَ"، أي: تسبُّكَ وتَعيبُك، وكنت "أنْهاها"، أي: عن فعْلِ ذلك، "فلا تنْتَهي"، أي: فلا تسْتجيبُ لي، "وأزْجُرُها فلا تنْزجِرُ"، أي: أمْنعُها بقوَّةٍ فلا تمتَنِعُ، "ولي مِنها ابنانِ مِثلُ اللُّؤْلؤتَينِ"، أي: في الجَمالِ والصَّفاءِ، "وكانت بي"، أي: هذه المرأَةُ "رفيقَةً"، أي: مُعاملَتُها لي برِفْقٍ ولُطْفٍ، "فلمَّا كانتِ البارِحةُ"، أي: فلمَّا كانَت اللَّيلةُ الماضيَةُ "جعَلَتْ تشتُمُكَ وتقَعُ فيكَ"، أي: كانت تسبُّكَ وتَذمُّكَ، "فأخذْتُ المِغْوَلَ"؛ وهو السَّيفُ الصَّغيرُ، "فوضَعْتُه"، أي: ركَزْتُه "في بطْنِها واتَّكأْتُ عليها"، أي: تحامَلْتُ عليها "حتَّى قتلْتُها"، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم: "ألَا اشْهَدوا"، أي: اعلَموا "أنَّ دَمَها"، أي: إنَّ دَمَ هذه المرأَةِ المقتولَةِ "هدَرٌ"، أي: باطِلٌ لا قِصاصَ فيهِ
وفي الحَديثِ: أنَّ الَّذي يسُبُّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ تَعالى عليهِ وسلَّم يُقتَلُ، وأنَّ دَمَه هدرٌ