القراءة في الركعتين الأوليين من صلاة العصر 3

سنن النسائي

القراءة في الركعتين الأوليين من صلاة العصر 3

أخبرنا إسحاق بن منصور قال: حدثنا عبد الرحمن، عن شعبة، عن سماك، عن جابر بن سمرة قال: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في الظهر والليل إذا يغشى، وفي العصر نحو ذلك وفي الصبح بأطول من ذلك»

كان الصَّحابةُ رِضوانُ اللهِ عليهم يَحرِصونَ على مُلاحَظةِ رَسولِ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم في كلِّ أوقاتِه؛ ليَتعلَّموا منه ويَنقُلوا أحوالَه إلى مَن بَعدَهم؛ ومِن ذلك أنَّهم نقَلوا صِفةَ صَلاتِه كلِّها؛ الجهريَّةِ والسِّرِّيَّةِ، ومِن دِقَّتِهم كانوا يَحسُبون قِراءةَ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم في الصَّلاةِ السِّرِّيَّةِ كما يقولُ جابرُ بنُ سَمُرةَ رضي اللهُ عنه

في هذا الحديثِ: "كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وآلِه وسلَّم يقرَأُ في الظُّهرِ: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى} [الليل: 1]"، أي: يَقرَأُ بعدَ الفاتحةِ بهذِه السُّورةِ مِن المفصَّلِ المتوسِّطِ الطُّولِ، "وفي العَصرِ نحوَ ذلك"، أي: نحوَ الظُّهرِ في القِراءةِ، "وفي الصُّبحِ أطْوَلَ مِن ذلك"، أي: كان يَقرَأُ في صلاةِ الصُّبحِ بسُوَرٍ أطوِلَ مِن ذلك بعدَ الفاتحةِ، ومن الحِكمةِ في إطالةِ الصُّبحِ: أنَّها في وقتِ غَفلةٍ بالنَّومِ آخِرَ اللَّيلِ؛ فيُطوِّلُهما لِيُدرِكَهما المتأخِّرُ بغَفلةٍ ونحوِها، أمَّا بقية الأوقاتِ فليستْ كذلك؛ فصلاةُ العصرِ مثلًا تُفعَلُ في وَقتِ تعَبِ أهلِ الأعمالِ، فخُفِّفَتْ، والمغربُ ضيِّقةُ الوقتِ، فاحتِيجَ إلى زِيادةِ تَخفيفِها لذلك، ولحاجةِ النَّاسِ إلى عَشاءِ صَائِمِهم وضَيفِهم، وصَلاةُ العِشاءِ تكونُ في وَقتِ غلَبَةِ النَّومِ والنُّعاسِ، ولكنَّ وقْتَها واسعٌ، فأشبَهَت العصرَ
وقد كان الصَّحابةُ يَعرِفون أنَّ النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم يقرَأُ في الصَّلاةِ السِّرِّيَّةِ مِن خِلالِ حرَكةِ فَكَّيهِ ولِحْيَتِه، وكان يَحسُبون الوقتَ الَّذي يَقرَأُ فيه وما يُساويه مِن آياتٍ أو سُوَرٍ، وربَّما كان النَّبيُّ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ يرفَعُ صوتَه قليلًا فيَسمَعُه مَن خَلفَه فيَعرِفُ ماذ يَقرَأ، وقد كانتْ صلاةُ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم تَختَلِفُ في الإطالةِ والتَّخفيفِ باختِلافِ الأحوالِ