اللعب في المسجد يوم العيد ونظر النساء إلى ذلك 2
سنن النسائي
أخبرنا إسحق بن موسى، قال: حدثنا الوليد بن مسلم، قال: حدثنا الأوزاعي، قال: حدثني الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، قال: دخل عمر والحبشة يلعبون في المسجد، فزجرهم عمر رضي الله عنه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «دعهم يا عمر، فإنما هم بنو أرفدة»
كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أحسنَ الناسِ تَعليمًا وتربيةً، وقد أُرْسِلَ مُيسِّرًا، وبيَّن أنَّ الإسلامَ دِينُ يُسرٍ رَفَع اللهُ به الحَرجَ والضِّيقَ عن النَّاسِ، ووسَّع عليهم دُون تَجاوزٍ
وفي هذا الحَديثِ بيانُ ذلك، حيثُ يقولُ أبو هُريرةَ رضي اللهُ عنه: "دخَلَ عُمرُ"، أي: مَسجدَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، "والحَبشَةُ"، وهذا نِسبةٌ إلى بلادِ الحبشةِ، وهُم جِنسٌ من أجناسِ السُّودانِ، "يَلعبون في المَسجدِ"، وفي روايةِ الصَّحيحيْنِ: "يلعبون عندَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بِحِرابِهم"، قال أبو هُريرةَ رضي اللهُ عنه: "فزَجرهم عُمرُ رضي اللهُ عنه"، أي: أراد مَنْعَهم ونَهْيَهم عن فِعلِهم هذا، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "دَعْهم يا عُمرُ"، أي: اترُكْهم وشأْنَهم؛ "فإنَّما هُم بنو أَرفِدةَ"، وهو لَقبٌ للحَبشةِ، أو اسمُ أبيهم الأقدَمِ، وقيل: هم جِنسٌ منهم يَرقصونَ. وقيل: المعنى بنو الإماءِ؛ فكأنَّه يُبيِّنُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّ هذا شأنُهم، وطريقَتُهم، وهو مِن الأُمورِ المباحةِ؛ فلا إنكارَ عليهم، وفي الصَّحيحيْن من حَديثِ عائشةَ رضي اللهُ عنها: "دُونَكم يا بَني أرفِدةَ"، أي: تابِعوا اللَّعِبَ؛ ففيه إذنٌ، وتَنشيطٌ لهم. وكأنَّ عمرَ رضي اللهُ عنه بَنَى على الأصلِ في تَنزيهِ المساجدِ؛ فبيَّن له النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وجهَ الجوازِ فيما كان هذا سَبيلَه، أو لعلَّه لم يكُنْ على عِلمٍ أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان يَراهُم، وفي مُسندِ الحارثِ بيانٌ لِعلَّةِ قولِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، حيثُ قال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "خُذوا يا بَني أرفِدةَ؛ حتَّى يعلمَ اليهودُ والنَّصارَى أنَّ في دينِنا فُسحةً"
وفي الحديثِ: بيانُ رِفقِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بأصحابِه
وفيه: أنَّ الإسلامَ فيه فُسحةٌ مَشروعةٌ للَّعِبِ والتَّرويحِ في أوقاتٍ مَعلومةٍ بما لا يُخِلُّ بثوابتِ الشَّرعِ