الموتشمات 3
سنن النسائي
أخبرنا حميد بن مسعدة، قال: حدثنا يزيد بن زريع، قال: حدثنا ابن عون، عن الشعبي، عن الحارث، قال: «لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا، وموكله، وشاهده، وكاتبه، والواشمة والموتشمة» قال: إلا من داء؟ فقال: «نعم، والحال والمحلل له، ومانع الصدقة، وكان ينهى عن النوح، ولم يقل لعن»
كان النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُحذِّرُ أُمَّتَه الكبائرَ الَّتي ربَّما واحدةٌ منها تُودِي بصاحبِها في نارِ جهنَّمَ
وفي هذا الحديثِ بيانٌ لبعضِ الكبائرِ التي يَنبغي الحذرُ منها والابتعادُ عنها، حيثُ يقولُ عبدُ اللهِ بنُ مَسعودٍ رضِيَ اللهُ عنه: "آكِلُ الرِّبا ومُوكِلُه"، أي: الآخِذُ له، والَّذي رضِيَ أنْ يُعْطى به، والمُرادُ: المُتعامِلينَ بالرِّبا، سواءٌ أكَلوهُ، أمْ لم يأْكُلوه، وإنَّما عبَّرَ بالأكلِ؛ لأنَّ الأكلَ مُعْظَمُ مقاصِدِه، "وكاتِبُه"، أي: الَّذي يكتُبُه لهما، والمُرادُ: النَّهيُ عن التَّعامُلِ بالرِّبا، سواءٌ كان في المالِ أو السِّلعِ، والتَّحذيرُ هنا يبدَأُ بالمُقرِضِ والمُقترِضِ، ويَنْتهي بالمُجتمَعِ الَّذي يَرْضى بمثْلِ هذا ولا يُحارِبُه، "إذا عَلِموا ذلك"، أي: إذا علِمَ مَن يعمَلُ به بكونِه رِبًا، ليَخرُجَ بذلك مَن جَهِلَ أنَّه رِبًا عن الحُكمِ الواقعِ عليهم؛ لأنَّه لا إثْمَ مع الجهلِ، وفي روايةٍ لأبي داودَ: "وشاهِدُه"، وهو الَّذي يشهَدُ على عقْدِهما
قال ابنُ مَسعودٍ رضِيَ اللهُ عنه: "والواشمةُ"، وهي الَّتي تعمَلُ الوشمَ لغيرِها، والوَشْمُ: أنْ يُغْرَزَ الجلْدُ بإبرةٍ، ثمَّ يُحْشَى بكُحلٍ أو نِيلةٍ أو أيِّ مادَّةٍ، فيَزرَقَّ أثَرُه أو يَخضَرَّ، وربَّما يُلَوَّنُ بأيِّ لونٍ آخرَ، "والموشومةُ"، وهي الَّتي يُفْعَلُ بها الوشمُ، "للحُسْنِ"، وهو قَيدٌ واقعٌ؛ إذ لا يكونُ الوشمُ إلَّا لذلك
"وَلاوي الصَّدقةِ"، أي: مانعُها، "والمُرتدُّ أعرابيًّا بعدَ الهجرةِ"، أي: يعودُ إلى الباديةِ، ويُقيمُ مع الأعرابِ بعدَ أنْ كان مُهاجِرًا، وكان مَن رجَعَ بعدَ الهجرةِ إلى مَوضِعِه من غيرِ عُذْرٍ يعدُّونَه كالمُرتَدِّ؛ كلُّ هؤلاءِ "ملعونونَ"، أي: دعا عليهم أنْ يُبعِدَهم اللهُ تعالى مِن رحْمَتِه؛ فهم مَطْرودونَ من رحمَةِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ، "على لسانِ محمَّدٍ يومَ القيامةِ"، أي: أنَّ الَّذي لعَنَهم هو النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وقيَّدَه بيومِ القيامةِ؛ لأنَّه وقْتُ المُجازاةِ على الأعمالِ
وفي الحديثِ: التَّشديدُ في أمْرِ التَّعامُلِ بالرِّبا بكلِّ أنواعِه
وفيه: التَّشديدُ في أمْرِ تَغييرِ خلْقِ اللهِ تعالَى بالوَشمِ أو ما يُشْبِهُه