باب أيام الجاهلية 4
بطاقات دعوية
عن عبد الرحمن بن القاسم؛ أن القاسم كان يمشي بين يدي الجنازة، ولا يقوم لها، ويخبر عن عائشة قالت: كان أهل الجاهلية يقومون لها، يقولون إذا رأوها: كنت في أهلك ما أنت. (مرتين).
لقدْ أكَّدَ الإسْلامُ بشَريعتِه السَّمحةِ على قِيمةِ النَّفْسِ الإنْسانيَّةِ مِنذُ مَوْلدِها حتَّى مَوتِها، وجَعَل لها مَكانةً ساميةً، تتَجَلَّى في تلك الأحْكامِ الَّتي اختَصَّتْ بها حتَّى بعْدَ مُفارَقةِ الحَياةِ، ويَظهَرُ هذا في صُورةٍ واضِحةٍ جَليَّةٍ في اهْتِمامِ الإسْلامِ بجَنائزِ المَوْتى، ودَفْنِها، ونَقْلِها إلى القَبرِ والبَرزَخِ؛ ليَنتظِرَ صاحبُ القَبرِ يومَ القِيامةِ.
وفي هذا الحَديثِ يَحْكي عبدُ الرَّحمنِ بنُ القاسِمِ أنَّ أباه القاسِمَ بنَ محمَّدِ بنِ أبي بَكرٍ الصِّدِّيقِ كان يَمْشي بيْن يدَيِ الجِنازةِ، يَعني: أمامَها، والجِنازةُ: اسمٌ للميِّتِ في النَّعشِ، وكان لا يَقومُ واقِفًا لها إذا مرَّت عليه إذا لمْ يُرِدِ الذَّهابَ خلْفَها، ويُخبِرُ عن أمِّ المؤمِنينَ عائشةَ رَضيَ اللهُ عنها أنَّها قالت: كان أهلُ الجاهِليَّةِ -وهي المدَّةُ الَّتي كان النَّاسُ فيها على الشِّركِ قبْلَ مَجيءِ الإسْلامِ، وسُمِّيَت بها لكَثْرةِ جَهالاتِهم، «يَقومونَ لها»، يَعني للجِنازةِ، «ويَقولونَ لها إذا رأَوْها: كُنتِ في أهلِكِ ما أنتِ! مرَّتينِ» يَعني: الَّذي أنتِ فيه الآنَ كُنتِ في الحياةِ مِثلَه؛ إنْ خَيرًا فخَيرٌ، وإنْ شرًّا فشَرٌّ، وقولُهم هذا راجِعٌ إلى ما يدَّعونَه مِن أنَّ رُوحَ الإنْسانِ تَصيرُ طائرًا مِثلَه، وهو المَشهورُ عِندَهم بالصَّدَى والهامِ، أوِ المَعنى: كُنتَ في أهلِكَ شَريفًا مَثلًا، فأيُّ شَيءٍ أنتَ الآنَ؟! يُكَرِّرونَ تلك الكَلمةَ مرَّتَينِ تَعْظيمًا لشأنِها، وقيلَ: إنَّ لفظَ «مرَّتَينِ» مِن تَتمَّةِ القولِ، و(ما) نافيةٌ، يَعني: كنتَ مرَّةً في القَومِ، ولستَ بكائنٍ فيهم مرَّةً أُخْرى، كما هو مُعتَقَدُ الكفَّارِ، كما في قولِ اللهِ تعالَى: {وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ} [الجاثية: 24].
وقد ورَد عندَ مُسلِمٍ، عن أبي سَعيدٍ الخُدْريِّ رَضيَ اللهُ عنه، أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قال: «إذا رَأيْتمُ الجِنازةَ فقُوموا، فمَن تَبِعَها فلا يَجلِسْ حتَّى توضَعَ»، وعن عَليِّ بنِ أبي طالبٍ رَضيَ اللهُ عنه قال: «قام رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ثمَّ قَعَد»، ومُقْتَضى الأحاديثِ الوارِدةِ في قيامِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ للجِنازةِ وجُلوسِه، تُبيِّنُ أنَّ الجُلوسَ ناسخٌ لقيامِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وقيلَ: إنَّه ليس بنَسخٍ، ولكنْ هو للدَّلالةِ على أنَّ القيامَ ليس حَتْمًا.
وفي الحَديثِ: النَّهيُ عن أفْعالِ الجاهِليَّةِ.