باب إثم من لم يتم الصفوف
بطاقات دعوية
عن بُشَيْر بن يسَار الأَنصاري، عن أَنس بن مالك أنه قَدِمَ المدينةَ،
فقيلَ لهُ: ما أنكرْتَ منَّا منذُ يومَ عَهِدتَ رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -؟ قالَ:
ما أَنكَرتُ شيئاً إلا أنَّكم لا تُقِيمونَ الصفوفَ.
كان الصَّحابةُ رَضيَ اللهُ عنهم ومِن بَعدِهم التابِعونُ أحرَصَ النَّاسِ على الاقتِداءِ برسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ واقتِفاءِ أثَرِه، ولُزومِ ذلك حتَّى المَماتِ، وقد كان التَّابِعون يَسألون أصحابَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ليَتعلَّموا مِن عِلْمِهم، وإذا ما أَخطؤوا صَوَّب لهم الصَّحابةُ رَضيَ اللهُ عنهم.
وفي هذا الحديثِ أنَّ أنسَ بنَ مالكٍ رَضيَ اللهُ عنه لَمَّا قدِم المدينةَ راجعًا مِن البَصرةِ سأله أهلُها: ما تُنكِرُ مِنَّا منذُ عهِدْتَ رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؟ وفي هذا السُّؤالِ حِرصٌ شديدٌ على متابَعةِ رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وحذَرٌ شديدٌ مِن مُخالَفتِه، وهُم في ذلك يَتحرَّوْنَ ألَّا يُخالِفوا أمْرَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فأجابهم أنسٌ رَضيَ اللهُ عنه: إنَّه لا يُنكِرُ عليهم شَيئًا، إلَّا أنَّهم لا يُقِيمون الصُّفوفَ. وهذا دَليلٌ على أنَّ تسويةَ الصُّفوفِ كانَت أمرًا معروفًا في عهدِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وأنَّ النَّاسَ غَيَّروا ذلك بعْدَه.وقد ذكَر العُلماءُ في معنَى تَسويةِ الصَّفِّ أمورًا وحِكَمًا؛ منها: ما في ذلك مِن حُسنِ الهَيئةِ وحُسْنِ الصَّلاةِ، وأنَّ حُصولَ الاستِقامةِ والاعتدالِ مَطلوبٌ ظاهرًا وباطنًا. ومنها: لئلَّا يَتخلَّلَهمُ الشَّيطانُ فيُفسِدَ صلاتَهم بالوَسْوسةِ. ومنها: أنَّ تَسويةَ الصُّفوفِ تُمكِّنُهم مِن صَلاتِهم مع كَثرةِ جَمعِهم، فإذا تراصَّوا وَسِعَ جميعَهم المسجدُ، وإذا لم يَفعَلوا ذلك ضاقَ عنهم.